المغرب – بقلم زينون عبد العالي:
من طالبٍ متفوق في الرياضيات والفيزياء إلى بائع للعطور والسواك قرب المساجد، إلى أحضان الفكر المتشدد الذي تأثر به عبر وسائل الإعلام والإنترنت، ثم الجلوس وراء قضبان السجون بتهم تتعلق بالإرهاب، فالحرية مجدداً لإصلاح ما يمكن إصلاحه في مجتمع يقبل التغيير بالفكر وليس بالعنف.
هكذا يلخص عزيز الشافعي مسيرته بعدما دفع الشاب المغربي ثمن تبنيه "لأفكار متشددة" قبيل أحداث 16 أيار/مايو الإرهابية بمدينة الدار البيضاء.
عزيز الشافعي، شاب تجاوز الـ30 من العمر، أمضى قرابة نصف حياته وراء قضبان السجون، والسبب تزامن بداية توجهه نحو الفكر المتطرف مع الاعتداءات الدامية التي هزت مدينة الدار البيضاء وخلفت عشرات القتلى والجرحى.
قضى عزيز حوالي 13 سنة سجناً نافذاً بتهم تتعلق بالإرهاب، إلا أن حُسن سلوكه وقيامه بمراجعة شاملة لأفكاره التي أدخلته السجن جعلته يستفيد من عفو ملكي سنة 2015.
بصدر رحب، يحكي عزيز الشافعي لموقع (إرفع صوتك) قصة بدايته مع الفكر المتطرف الذي أدخله في متاهات كلفته حريته، وجعلته يعيد النظر في ما يؤمن به من أفكار ومعتقدات لا تصلح في بيئة تنبذ كل فكر ضال لا يتماشى والقواعد المتعارف عليها في البلاد.
النشأة والتحول
نشأ عزيز في أسرة محافظة "كغيرها من الأسر المغربية"، حسب قوله. "كنا نعيش في حي مهمش بمدينة الدار البيضاء حيث البطالة والبؤس يخيمان على شباب هذا الحي القصديري، وهي أسباب كانت كافية لدفع العديد منهم نحو المطالبة بالتغيير بطرقهم الخاصة، إذ أن أغلب منفذي عملية 16 مايو الإرهابية في 2003 كانوا من حي طوما الصفيحي" .
يروي عزيز أنّه على الرغم الأوضاع المزرية التي كان يعيشها، بقي متفوقاً في دراسته ومركزاً عليها بشكل كبير "لأنّها منقذي من براثن البطالة والتهميش". لكن شاءت الأقدار أن يتابعها من وراء القضبان، إذ تم اعتقاله في 18 أيار/مايو 2003 قبل 10 أيام من اجتيازه للامتحانات في كلية العلوم والتقنيات بالمحمدية.
فكر القاعدة
وعن بداياته مع الاحتكاك بالفكر المتشدد، يقول عزيز إنه منذ بداية سنة 2003 بدأ يبرز الفكر الجهادي الذي كان يسوقه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن "ناهيك عن بداية الشعور العربي بالمآسي والرغبة بالدفاع عن قضايا الأمة وهو ما أثر بشكل مباشر على العديد من الشباب آنذاك، فاختاروا طريق التغيير، لكن للأسف سلكوا الطريق الخطأ".
ويضيف المتحدث أنّه خلال تلك الفترة، تأثر بالخطاب المتطرف وكان يفكر بالسفر إلى أفغانستان. ويشير إلى أن السبب في ذلك يعود للخطاب الذي تأثر به عن طريق وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، وخاصة خطاب التيار السلفي الذي كان يروجه زعماء تنظيم القاعدة آنذاك.
ويعترف عزيز بخطئه في تلقي وفهم الفكر الديني، خاصة على مستوى التصور. "لقد كنت آخذ الأمور ببساطة وسطحية دون أن أدرك عواقب ما أتبناه من أفكار، ودون التمكن من العلم الشرعي والقيام بإسقاطات لا علاقة لها بالبيئة المغربية، إذ أن لكل واقع خصوصياته وهنا أتحدث عن الواقع الأفغاني والعراقي الذي لا يمت بصلة للمغرب".
"دليل براءة"
ويتذكر عزيز بحسرة كيف تم الزج به في السجن رغم عدم مشاركته في التخطيط أو تنفيذ اعتداءات 16 أيار/مايو الإرهابية بالدار البيضاء بالقول "لم أشارك في تفجيرات الدار البيضاء وأنا بريء مما نسب إلي في المحاكمة التي أدنت فيها بـ30 سنة. ذات يوم سألت المتهم المباشر في التفجيرات لماذا لم تخبروني بأنكم ستنفذون أعمالاً مسلحة؟ فأجابني بأنه لو تم إخبارك، فستقنعهم بالعدول عن ذلك".
يحكي عزيز أنه لم يكن منخرطاً في أي جماعة أو تنظيم وكانت له فقط لقاءات جمعته بشباب الحي الذي يقطنه وأغلبها كانت تتم قرب المسجد بعد الصلاة، مشيراً إلى أنه لم يعرف ما كان يخطط له رفاقه قبيل تفجيرات الدار بيضاء إلا يوم محاكمته. "اكتشفت أني لم أكن أعرف أي أحد منهم".
طموح نحو التغيير
عزيز كان قارئاً نهماً، يقرأ عدة مراجع في كل التخصصات بمعدل 16 ساعة في اليوم، وهو ما مكنه من إعادة النظر في الأفكار التي كان يعتقد بها. "لم يمر وقت طويل حتى أيقنت أن كل شيء قابل للتغيير ما عدا الثوابت، وهو الاتجاه الذي سرت على نهجه إلى أن نلت حريتي بعد 13 سنة من السجن".
وعن اندماجه من جديد داخل المجتمع بعد إدانته بتهم تتعلق بالإرهاب، يحكي عزيز أنه لم يلحظ أي تغيير في تعامل جيرانه معه، مشيراً إلى أنهم واثقون من براءته مما نسب إليه. كما يطالب السلطات المغربية بإعادة الاعتبار له ولمن معه ممن وجدوا أنفسهم من دون عمل بعد السجن.
طموح عزيز في تحقيق حلمه لم يصطدم بجدران السجن، بل كان حافزاً له لمواصلة دراسته، حيث استطاع أن يجمع في محفظته ست شهادات بكالوريوس (العلوم الرياضية – العلوم الشرعية - اثنان في شعبة الآداب - اثنان في العلوم الإنسانية)، إضافة إلى أربع إجازات في تخصصات الاقتصاد والتدبير- الفيزياء والرياضيات –الشريعة ثم الإجازة في الحقوق التي يتابعها حالياً.
ويطالب الشافعي السلطات المغربية بالاهتمام به وبتغيير أوضاعه وأوضاع أقرانه ممن كانت الظروف السيئة والتهميش دافعهم نحو التطرف. ويشير إلى أن الظروف نفسها التي كان يعيشها قبل السجن ما زال يعيشها حالياً.
"لا شيء تغير.. أعمل حالياً مدرساً مساعداً في إحدى المدارس الحرة بمدينة الدار البيضاء بمقابل رمزي أسد به رمقي وحاجات أسرتي".
*الصورة الأولى: "لا شيء تغير.."/Shutterstock
*الصورة الثانية: عزيز الشافعي/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659