مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

يرقد النقيب مصطفي يسري ضابط العمليات الخاصة بجهاز الشرطة المصرية في إحدى مستشفيات القاهرة بين الحياة والموت منذ حوالي ثلاث سنوات إثر إصابته بثلاث طلقات لقناصة كانوا على سطح إحدى البنايات المرتفعة وهو على طريق الأوتوستراد، ثاني أيام فض اعتصام رابعة العدوية.

توقفت آلة الزمن لديه، فغاب عن الوعي منذ ذلك الحين حتى الآن ولم يُجدِ نفعاً سفره للعلاج في ألمانيا بقرار من وزير الداخلية، فقد عاد وحالته كما هي.

تقول والدته وفاء السيد في حديثها المختصر لموقع (إرفع صوتك) نظراً لحالتها الصحية والنفسية السيئة "أعادوا ابني مصطفى من الخارج بحجة كثرة النفقات رغم استمرار العلاج لمصابين آخرين. ولم تعطِ وزارة الداخلية لمصطفى الذي ضحى بنفسه فداءً للوطن الاهتمام الذي يستحقه وتكتفي بزيارته على فترات متباعدة"، متمنية التواصل مع أحد المسؤولين بالقوات المسلحة أو مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمحاولة علاج ولدها من جديد بالخارج.

ضحايا الإرهاب

تتوالى تصريحات الدولة المصرية التي تؤكد اهتمامها بأسر ضحايا الإرهاب الذي يضرب مصر ويستهدف أبناءها من المدنيين ورجال الجيش والشرطة خاصة في سيناء.

وكانت آخر هذه التصريحات للرئيس عبد الفتاح السيسي في اجتماع له، أواخر شهر نيسان/أبريل، برئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل وعدد من المسؤولين. وشدّد خلاله السيسي على ضرورة توفير الرعاية الكاملة لأسر ضحايا الإرهاب والوقوف إلى جانبهم وتلبية احتياجاتهم.

تقصير بحق ضحايا الإرهاب؟

لكن ما ترصده منظمات المجتمع المدني الرسمية وغير الرسمية يشير إلى تقصير فيما يتصل برعاية المصابين وأسر ضحايا الإرهاب. وهو ما يؤكده لموقع (إرفع صوتك) المستشار نجيب جبرائيل، رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، حيث يرى أن الرعاية المجتمعية والحكومية لأسر ضحايا الإرهاب متدنية للغاية ولا تصل إلى الحد المطلوب.

ويقول جبرائيل "ما زال الكثيرون يعانون ومتابعة الدولة لهم ليست بالشاملة بمعنى أنها تتابع بمعاشات وبأدوية، لكنها لا تتابع بتركيب أطراف صناعية لمن فقدوا أطرافهم مثلاً".

ويعتبر أن رعاية الدولة ليست كاملة لأسر الضحايا في المدارس أو الحصول على فرص عمل للأسر التي فقدت عائلها الوحيد، مشيراً إلى عدم وجود ميزانية واضحة وعدم صدور قانون حتى الآن ينظم رعاية هذه الأسر.

خدمات أكثر

تشير المحامية وعضوة المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، سوزان ندا، لموقع (إرفع صوتك) إلى عدم وجود إحصائية رسمية واضحة لضحايا الإرهاب الذين تتزايد أعدادهم وفقاً لبيانات القوات المسلحة.

وتلاحظ ندا أن التعامل مع الضحايا يتم بدرجات متفاوتة حسب رتبة كل ضحية. فالتعويضات التي يتلقاها الجنود تقل عن تلك التي يحصل عليها من في الرتب الأعلى من الجيش والشرطة، سواء كانت تعويضات مالية أو شرفية كإطلاق أسمائهم على شوارع أو مدارس بمحل إقامتهم.

وتشير إلى أنه لا يجب أن تتوقف الرعاية للمصابين أو أسرهم عند حد التعويضات المالية بل يجب أن تكون شاملة من حيث تقديم خدمات مجانية في الصحة والتعليم والنقل وغيرها "وهي أقل ما يمكن أن تقدمه الدولة لأسر ضحايا الإرهاب".

أما جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، فيقول لموقع (إرفع صوتك) إن الدولة ترعى المصابين وأسر ضحايا الإرهاب من الشرطة والقوات المسلحة وتعوضهم بشكل جيد، لكن هناك تقصيراً بالنسبة للمدنيين وهو ما نهتم به كحقوقيين رغم عدم وجود حصر بأعدادهم.

ويشير إلى أن المجلس تلقى شكاوى بخصوص شهداء 25 يناير/كانون الثاني والتواصل مستمر معهم لحل جميع مشاكلهم.

رعاية شاملة

ويتفق إسحاق المنتمي لمنظمة حقوقية رسمية مع جبرائيل وندا، الممثلين لمنظمات حقوقية غير حكومية، في المطلوب من الدولة لتوفير رعاية حقيقية وشاملة لضحايا الإرهاب ويرصدون ثلاث نقاط لتحقيق ذلك.

الأولى: إصدار قانون من مجلس النواب ينظم حالات رعاية أسر الضحايا تعليمياً وصحياً واجتماعياً.

الثانية: ضرورة تسجيل جميع الأسر بوزارة التضامن الاجتماعي مع متابعتها بشكل مستمر وعدم الاكتفاء بتوفير معاشات لهم وفقط.

الثالثة: ضرورة التفرقة بين المنضوين تحت تعريف أسر الضحايا وبين من يسقط نتيجة أعمال عنف فمن قتل لأغراض شخصية ليس كمن قدم حياته ثمناً من أجل الوطن.

*الصورة: "ما زال الكثيرون يعانون ومتابعة الدولة لهم ليست بالشاملة"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".