بقلم خالد الغالي:
ولّى زمن الخوف من إرهاب "العشرية السوداء" في الجزائر. ولم يعد شبح الموت يتهدد الجزائريين عند حاجز وهمي في "مثلث الموت" بين ولايات الجزائر العاصمة والأربعاء والبليدة. يعد هذا إنجازاً استثنائياً في بلد مزقته حرب أهلية وعمليات إرهابية لمدة 10 سنوات، مخلفة 150,000 قتيلاً، وأكثر من ستة آلاف مفقود.
مهّد إلغاء الجيش للانتخابات التشريعية لسنة 1992، التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لدخول الجزائر إلى متاهة حرب طاحنة ضد الإرهاب. فقد تشكلت جماعات مسلحة متعددة أعلنت الحرب على الجيش. وتصدى لها الأخير بيد من حديد.
"كانت المقاربة في بداية الأزمة أمنية بالدارجة الأولى، تتمثل في القضاء النهائي على الإسلاميين. تزعّم هذه المقاربة تيار من القائمين على النظام والجيش في الجزائر، أطلق عليه التيار الاستئصالي، وتبنى أصحابه فكرة الكُل الأمني (تعبير استخدم في الجزائر في إشارة إلى المقاربة الأمنية المطلقة) في التعامل مع ملف الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس، زيدان خوليف في تصريح لموقع (إرفع صوتك).
تدابير الرحمة
مع وصول اليمين زروال إلى رئاسة الجمهورية، في مستهل سنة 1994، بدأت تغيرات طفيفة في مقاربة الجزائر بالتعامل مع ملف الإرهاب. وانطلق حوار متعثر مع جبهة الإنقاذ، التي ظلت دائماً تنفي تأييدها للعمليات الإرهابية.
"دخل زروال في حوار مع الجبهة. كان يتحاور مع قادتها السياسيين في السجن، عباسي مدني وعلي بلحاج. وفي الوقت نفسه، مع المدني مزراق أمير الجيش الإسلامي للإنقاذ في جبال جيجل (جناح الجبهة المسلح). كان الهدف هو الحصول على طلب موجه من الشيوخ الموجودين في السجن إلى المدني مزراق بإيقاف الأعمال العسكرية"، يضيف زيدان خوليف.
مع بداية سنة 1995، وبهدف إقصاء الدعم عن الجماعات المسلحة، فتح زروال الباب أمام عودة مقاتليها إلى الحياة العادية. فصدر ما سمي حينها بـ"قانون الرحمة". وهو أمر رئاسي أسقط المتابعة القضائية عن المسلحين الذين يسلمون أنفسهم للسلطات، شريطة ألّا يكونوا متورطين في أعمال دم. ومعه في نفس اليوم (25 شباط/فبراير) أمر رئاسي ثان حول جرائم الإرهاب، ألغى المحاكم الخاصة بالإرهاب وحول جميع القضايا إلى محكمة الجنايات.
الوئام أولاً
وتبقى أهم نقطة في المقاربة الجزائرية في التعامل مع الإرهاب هو الوصول إلى اتفاق مع الجيش الإسلامي للإنقاذ، انتهى بإعلان التنظيم المسلح هدنة سنة 1997. أيد الرئيس الجديد عبد العزيز بوتفليقة الاتفاق بمجرد انتخابه في نيسان/أبريل 1999.
"الاتفاق في الحقيقة لم يأت به بوتفليقة"، يؤكد زيدان خوليف.
وفي تصريح لموقع (إرفع صوتك)، يقول العقيد السابق في الجيش الجزائري، أحمد عظيمي كان "الاتفاق بين الجيش الجزائري والجيش الإسلامي للإنقاذ موجوداً. بعد خروج اليمين زروال من السلطة، جاء بوتفليقة ووافق عليه وأعطاه الشرعية".
أعلن بوتفليقة عن قانون "استعادة الوئام المدني"، كصيغة سياسية للاتفاق الموقع بين الجيش وبعض المسلحين.
أعفى القانون الجديد من المتابعة القضائية المسلحين الذين لم يتورطوا بجرائم دم، فيما وعد المتورطين بأحكام مخففة.
وفي 13 كانون الثاني/يناير 2000، أتبع بوتفليقة قانون الوئام المدني بإصدار عفو عام عن مقاتلي الجيش الإسلامي للإنقاذ. فعاد الآلاف منه، ومن غيره من التنظيمات، إلى الحياة العادية. مكنت هذه المقاربة الجزائر من ضمان إلقاء أكثر من 15 ألف مقاتل من جميع الفصائل السلاح بين سنتي 1999 و2013.
المصالحة ثانيا
بعد ست سنوات على الوئام المدني، أعلن الرئيس الجزائري عن "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، والذي طرح للاستفتاء.
"كانت المصالحة الوطنية لسنة 2006 تكميلا للوئام المدني. كنا في الحقيقة حينها انتهينا من موضوع الإرهاب منذ 1999 تقريباً"، يؤكد أحمد عظيمي.
سعى الميثاق إلى تجاوز عثرات الوئام المدني، فأدرج، بشكل أعمق، ملف السجناء (لم يشملهم العفو الرئاسي العام عن مقاتلي جيش الإنقاذ) والمفقودين الذي اعتبرهم "ضحايا المأساة الوطنية".
وفي خطوة أخيرة تؤكد نية بوتفليقة إقفال الملف نهائياً، أدرج ميثاق سنة 2006 الدولة الجزائرية نفسها ضمن الأطراف المعنية بالمصالحة، لكن دون إدانتها.
فرغم إقراره بالتجاوزات الفردية، رفض الميثاق "الادعاءات الرامية إلى تحميل الدولة الجزائرية مسؤولية ظاهرة مقصودة ومبيت لها... كما أن شرف قوى الأمن الذين شكلوا درعاً حقيقياً في مقاومة الإرهاب لا يمكن أن تشوه سمعتهم من خلال تصرفات فردية".
*الصورة: بعد قانون الوئام المدني الذي أطلقه عبد العزيز بوتفليقة، ألقى 15 ألف مسلح سلاحه/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659