بقلم حسن عبّاس:
"لا تعطوهم الأمان حتى في المراحيض... أحيلوا أرض الموصل إلى قطعة من الجحيم عليهم واتركوا الخلافات جانباً، ففي هذه السفينة، إما أن ننجو جميعاً، أو أن نغرق جميعاً".
هذا جزء من رسالة طويلة وجّهها مؤسس صفحة "عين الموصل" على فيسبوك إلى أبناء مدينته، داعياً إيّاهم إلى نبذ خلافاتهم مع باقي العراقيين والتركيز على القضاء على داعش لكي تنجو السفينة العراقية.
وهذا النوع من الكلام سيتكرّر كثيراً على الصفحة التي حملت رسالة إيصال ما يجري في الموصل إلى العالم بأجمعه.
وقال مؤسس الصفحة الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لموقع (إرفع صوتك) "عملي، أو لأقل بعبارة أدق مسؤوليتي، لا تتعلق باللحظة الراهنة، بل بالمستقبل. علينا أن نفكر بمصير الموصل بعد داعش. داعش إلى زوال محتم، لكن ماذا بعده؟ هنا تكون المسؤولية الحقيقية".
قصة البداية
في 10 حزيران/يونيو 2014، سيطر داعش على مدينة الموصل محدثاً صدمة لا للعراقيين فقط بل للعالم أجمع. وزادت الصدمة مع بدء تناقل أخبار عن ممارسات هذا التنظيم العنيفة بحق أبناء المناطق التي سيطر عليها.
وفي ظل هذه الظروف، تأسست صفحة "عين الموصل" بهدف "إيصال ما يحدث في الموصل إلى كل العالم، دقيقة بدقيقة، بواسطة مؤرخ مستقل يقيم في الموصل"، بحسب ما تُعرّف عن نفسها.
وقال مؤسس الصفحة "كان واقع مدينة الموصل قبل سيطرة داعش عليها يتطلب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنقل صورتها الحقيقية، أما حين احتلّها داعش فقد صار هذا الأمر واجباً".
شخص واحد أسس الصفحة ويديرها، لكنّه يحصل على المعلومات بشكل مباشر أو من خلال شهود عيان، كما أشار لموقع (إرفع صوتك).
ولتفادي أي ضياع للمعلومات في حال أُقفلت الصفحة، أُنشئت مدوّنة تعرض نفس المحتوى باللغة الإنكليزية وتسهّل التواصل مع الصحافيين الذين لا يتواجدون على فيسبوك.
وقال مؤسس الصفحة "لقد أخبرت العالم بكل شيء عن الموصل، أخبرتهم بكل ما حدث منذ البداية وحتى اليوم. العالم الآن يعرف الموصل وما يجري فيها بفضل هذه الصفحة".
نقل واقع الموصل
"داعش جاءت برفع راية الإسلام وقتلت الأبرياء براية الإسلام، وسلبت أموالهم براية الإسلام"، هكذا لخّصت الصفحة واقع الموصل مع داعش في أحد منشوراتها.
ووصف مؤسس الصفحة الأوضاع في الموصل بأنها "من سيئ إلى أسوأ، فداعش تمكّن من إخضاع المواطنين إلى أبعد حد، واستحوذ على أموال المواطنين بكل طريقة متاحة، والحالة المعيشية متدهورة".
وتابع "الخوف والرعب والقلق والانتظار هي أبرز ملامح المدينة، مدينة تهدّم تاريخها أمام عيون أبنائها، وقُتل رجالها ورجموا في الشوارع".
في منشورات الصفحة، يمكن أن نقرأ عن أزمة مالية تضرب داعش وجهاديين لم يستلموا رواتبهم منذ 3 أشهر، وعن سرقة آثار محافظة نينوى. كما يمكن أن نطّلع على توثيق أمور أخرى كثيرة من الصعب معرفتها بسبب الهيمنة الداعشية كالإعدامات والعقوبات التي يفرضها التنظيم على الناس.
كما تنقل الصفحة أهواء الموصليين في ما خص علاقتهم بداعش. فهي تتصدّى للتعميم الذي يعمل على وصم كل أبناء الموصل بالداعشية لتحقيق بعض المآرب.
وعن ذلك، قال مؤسس الصفحة "لا أحد ينكر أن هنالك متورطين من أبناء الموصل مع داعش"، أكانوا من أبناء المدينة أو من سكان أطرافها من أقضية ونواحٍ. لكنّه اعتبر أن "هذا لا يعني أن أهل الموصل كلهم يؤيدون داعش".
مشكلة الموصل، برأيه "أعقد من داعش، فهناك أزمة ثقة بين الشعب الموصلي والحكومة العراقية".
وانطلاقاً من هذا التشخيص يعمل. فحين وقعت أزمة برلمانية قبل فترة وجيزة، راح يحذّر من انعكاساتها السلبية على أبناء الموصل، مؤكداً أنها "منحت داعش فرصة للتقرب من السكان في المدينة، فقد بدأ خطباء الجوامع بالحديث عن انهيار المؤسسة السياسية العراقية التي يديرها الشيعة في بغداد، وعن أن أهل السنة لا يدخلون ضمن حسابات العملية السياسية".
وصل الموصل بالعراق
في معظم منشورات الصفحة، يمكن أن نلاحظ سعي مؤسسها الحثيث إلى اجتراح لغة وطنية جامعة تتصدّى للغة التخوينية والتقسيمية السائدة حالياً في العراق.
وشرح مؤسس الصفحة أن "المدينة بحاجة إلى التعاطف من بقية أطياف الشعب العراقي"، مضيفاً أن "المشاكل التي نعاني منها على مستوى العلاقات مع الأقليات وبقية أبناء المحافظات مشاكل كبيرة جداً وحلولها شبه مستحيلة".
وفي هذا الإطار، تنشر الصفحة أخباراً عامة عن العراق لكي تؤكد فكرة أن الموصل لا تنفصل عن العراق، فـ"نحن جزء من الأحداث العراقية ككل، ومراقبة الأوضاع وتطوراتها يدفعنا إلى فهم أكبر للأحداث"، قال المؤسس.
وبرغم شدّة الصعاب وتعقيدات الحالة العراقية، إلا أن أمل مؤسس الصفحة بتحرير الموصل حيّ. لكنّه يؤكد أن ذلك يستوجب تضافر جهود كل الجهات المسؤولة، فـ"الحكومة العراقية عليها إظهار اهتمامها بسكان الموصل. والمجتمع الدولي عليه الضغط على الأطراف العراقية لإيجاد سبل توافق لحل الأزمة، وتكثيف العمليات العسكرية ضد داعش مع الانتباه للمدنيين".
كذلك، على أبناء الموصل، برأيه "الصبر على هذه المحنة، والتحمّل إلى حين انتهاء الازمة، والتفكير بشكل جدي بتحديث الحياة الاجتماعية في المدينة والانفتاح على الآخرين". أما العراقيون فعليهم "الوقوف إلى جانب إخوانهم في الموصل ودعمهم".
*الصورة: قوات الأمن العراقية ترافق عائلات عراقية هربت من مناطق قتال/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659