بقلم إلسي مِلكونيان:

دفعت المعارك التي تشهدها مدينة الفلوجة منذ فجر، 23 أيار/مايو، 800 شخصاً إلى الفرار. لكن يقدر أن عدد السكان الذين غادروا المدينة منذ وقوعها تحت قبضة داعش عام 2014 أكثر من ذلك بكثير.

وبذلك، نجح البعض في الاستقرار في مدن عراقية أكثر أماناً. على سبيل المثال، بلغ عدد العائلات التي نزحت من الأنبار منذ بداية 2014 والمتواجدة في بغداد إلى حين كتابة هذا التقرير حوالي 33 ألف عائلة، حسب جدول تتبع النزوح الصادر عن منظمة الهجرة الدولية.

في الوقت نفسه، يوجد حوالي 50 ألف شخص لم يجدوا للفرار سبيلاً وهم يعيشون في الفلوجة وسط أوضاع أمنية صعبة إلى جانب شح الموارد الغذائية والمائية. ويبدو أن لبقاء السكان في المدينة حتى الآن أسباب عديدة. نذكر من أبرزها:

ضغوطات اجتماعية وتحديات اقتصادية

بعد وقوع الفلوجة في يد داعش، صمّم بعض سكانها على الفرار، فتعرضوا لانتقادات من سكان المناطق المجاورة بسبب نزوحهم من المدينة. يقول عمر العلواني، الناشط في المركز الوطني للتنمية والإبداع في العراق، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "اعتبر البعض أن نزوح أهالي الفلوجة هو بمثابة تخليهم عنها لأنهم لم يقاتلوا داعش. بينما تعرض آخرون إلى صد من القوات الحكومية المتواجدة على مخارج المدينة لأن الأخيرة كانت تخشى أن يكون من بينهم من هو على علاقة بداعش".

وهناك أيضاً تحديات اقتصادية. ففي حالة انعدام الأمن والأمان كالتي تمر بها مدينة الفلوجة، توجب على من يخرج من مدينته أن يمتلك مدخرات كافية تساعده على تحمل نفقات المعيشة من آجار سكن ومأكل وملبس إلى أن يجد عملاً.

يضيف العلواني "من نجح في الوصول إلى أماكن آمنة، فقد دفع أموالاً أو حصل على الواسطة ليتمكن من العبور (ما زاد من الضغوط الاقتصادية عليه)".

صعوبة الوصول إلى مناطق أخرى

كان الفرار من الفلوجة على اختلاف المراحل التي مرت بها المدينة صعباً. فقد حاول الكثيرون الفرار إلى مناطق أكثر أماناً منذ بداية الأزمة. لكن ما حدث أن داعش مد نفوذه من مدينة إلى أخرى. على سبيل المثال، أولئك الذين فروا من الأنبار إلى مدن أخرى كالموصل أو حتى نينوى، تفاجأوا بسقوطها في يد داعش، بعد مطلع حزيران/يونيو 2014. كما خسر النازحون بذلك أمل العودة إما بسبب الدمار الذي قد أصاب منازلهم أو خشية التعرض للقتل.

يشرح العلواني أن الأشخاص الذين فروا مؤخراً، أي منذ بداية العمليات "اضطروا إلى قطع مسافة حوالي 20 كم سيراً على الأقدام متجهين غرباً نحو الخالدية أو الحبانية ومن ثم جنوباً وصولاً إلى جسر بزيبيز (الذي قد يكون محطة باتجاه بغداد)".

أما على الجهة الشرقية للمدينة، كان الفرار أصعب بكثير لقربها من الطريق الدولية الواقعة على تماس مع المعارك بين داعش وقوات الحشد الشعبي.

صعوبة الوضع في المخيمات

يعتقد البعض أن المخيمات قد تمثل ملاذاً آمناً تشرف عليه منظمات الإغاثة.

وقد وجد الفارون من الفلوجة إلى مناطق عامرية الفلوجة، جنوب غرب بغداد، مخيمات كانت قد أقيمت منذ زمن. وقد بنيت هذه المخيمات  لنازحين سابقين عادوا إلى مناطقهم بعد أن تم تحريرها من عصابات داعش.

يشرح عبد القادر الجميلي، المستشار الإعلامي لمجلس محافظة الأنبار في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن "هذه المخيمات مبنية عن طريق اللجنة العليا لرعاية شؤون اللاجئين. وتستطيع استيعاب عدد لا بأس به من اللاجئين يتسع لحوالي 2000 شخصاً. وتعمل منظمات الإغاثة على تقديم مساعدات غذائية وطبية".

إلا أن الظروف المعيشية داخل المخيمات ليست يسيرة. يقول أحمد آغا، عضو منظمة "غوث"، وهي منظمة محلية تقدم مساعدات مختلفة للنازحين، "يتعرض سكان المخيمات في الشتاء إلى البرد والمطر، وفي الصيف إلى الحر الشديد بسبب جغرافية المنطقة التي يغلب عليها الطابع الصحراوي. علاوة على ذلك هناك بعض الخيم السيئة التجهيز فتعرض سكانها إلى ظروف صحية صعبة".

وتنشط منظمات محلية ودولية كالهلال الأحمر العراقي ومنظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والأغذية العالمية في مساعدة اللاجئين بالغذاء والدواء إلى أن تنتهي محنتهم. بينما يتعثر على منظمات أخرى دخول المدينة بسبب المعارك وطوق الحصار الذي فرضته القوات العراقية منذ أشهر.

*الصورة: نازحون عراقيون فروا من منطقة خاضعة لداعش قرب الفلوجة/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".