الأردن – بقلم صالح قشطة:

استكمالاً لسلسلة الإرهاب والدموية وأفظع الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية التي يطل علينا بها تنظيم داعش مع بداية كل نهار، يتحدث أبو حمد القادم من الفلوجة إلى موقع (إرفع صوتك)، النازح، بما تبقى له من حياة، في إحدى المناطق الشعبية شرق العاصمة الأردنية عمّان.

أبو حمد، الذي يخشى الإفصاح عن هويته خوفاً من ملاحقة الإرهاب لمن بقي خلفه من أفراد عائلته في العراق، يروي قصة تهجيره التي عاشها إثر ما شهده من إرهاب مارسه أفراد تنظيم داعش على أهالي بلدته.

"شهدنا من داعش التهجير والقتل الذي مارسوه على جميع الطوائف، على الشيعي والسني والمسيحي والصابئي والأيزيدي. هم (داعش) أشخاص خوارج لا صلة لهم بالدين، غرضهم هو التدمير، تدمير الدين والبلاد التي يدخلونها".

رسالة من داعش

بعد تهديدهم له ولعائلته، وبعد قيامهم فعلاً بتفجير منزله، لم يجد أبو حمد أمامه طريقاً للحياة سوى طريق النزوح إلى الأردن، سعياً منه لإيصال أطفاله إلى بر أمانٍ قد يساعده على تأمين مستقبلٍ أفضل لهم بعيداً عن الإرهاب.

يتابع روايته مستذكراً رسالة تلقاها من أفراد داعش تقول "إرحل عن الدار أو ستتم تصفيتك أنت وعائلتك". في نفس اليوم تمّ تفجير منزله في الساعة الثامنة مساءً.

الأبرياء الضحية الأسهل

وبحسب وصف أبو حمد، فالأبرياء هم دائماً الضحايا الأسهل لأفراد التنظيم لممارسة جبروتهم وطغيانهم وتعطشهم للدماء، أما التهمة والذنب فليس من الضروري تواجدهما طالما هم ليسوا بحاجة إلى مبرر لإجرامهم، مستشهداً بما حدث مع جاره الشيعي الذي يصفه بالخلوق المثقف، والذي أزهقوا روحه بدم بارد بعد أخذه من داخل منزله حيث كان يحاول حماية عائلته منهم.

"أخذوه، وفي اليوم التالي نشروا إعلاناً في المنطقة التي نسكن بها يقول (سوف يتم القصاص من أحد الروافض، وعليكم التجمع قرب المسجد)"، مشيراً إلى أن التجمع لمشاهدة القصاص والدماء كان إجبارياً، وأن من يخالف الحضور فسوف يعتبر خارجاً عن طاعة التنظيم وسيكون عرضةً لتنفيذ القصاص به لهذا السبب.

"الذهاب إجباري وعليك مشاهدة القصاص بعينك، والنساء أيضاً والأطفال عليهم الذهاب ومشاهدة ذلك".

قتلوا أخي لأنّه موسيقي!

ما عاناه أبو حمد من إرهاب لم يتوقف على تفجير منزله أو قتل جاره بتهمة اتباعه للطائفة الشيعية، بل طالت شقيقه الذي رأوا فيه داعش شخصاً كافراً، لا سيّما بامتهانه لمهنة لا تتوافق وأهوائهم، حيث كان يعيش في البصرة، والتي انتقل منها بعد اعتقاله من قبل قوات حكومية عقب سقوط النظام العراقي السابق، ليستقر في الموصل، حيث كانت تشهد أمناً وتعايشاً بين الجميع إلى حين دخول داعش.

ويسترسل أبو حمد "أخي كان معلماً للموسيقى في إحدى المدارس، وبعد دخول داعش إلى الموصل كنت بالكاد أتواصل معه هاتفياً، وبعد فترة انقطع الاتصال من طرفه، ثم وصلتني رسالة من أحد أصدقائه تقول إنه تم قتله على يد إرهابيي داعش، والسبب هو أنه مدرّس للموسيقى!"

سلسلة من المصاعب

وعلى حد تعبير أبو حمد، فقد عاش سلسلة من المصاعب في وطنه، جعلت أمله في العودة إليه ضئيلاً جداً، حيث لا يرى في الأفق سبيلاً لتوقفها لدى حد معين "من بعد سقوط النظام تردى الوضع بشكل عام، كنا محاصرين من قبل الحكومة العراقية وأصبحنا محاصرين من قبل داعش، وسيخرج داعش لنصبح محاصرين من قبل الميليشيات الطائفية".

ويختم حديثه إلى موقع (إرفع صوتك) بالعودة إلى إجرام تنظيم داعش والتأكيد على بطشه "داعش يأتونك ويدخلون بيتك في أي ساعة وأي وقت، هم أشخاص مجرمون، لا ينتمون للإسلام بأي صلة، والسبي بالنسبة لهم شيء طبيعي جداً، ولدى دخولهم إلى بيت أي عائلة يأخذون نساءهم، خاصة لو كانوا من طوائف أخرى. ولو اعترض أي من رجال المنزل على هذا الشيء فسيقتلونه بدم بارد، بتهمة أنه ضد الدولة الإسلامية".

*الصورة: نازحون عراقيون/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".