متابعة علي عبد الأمير:
يرى كثير من الباحثين والخبراء ذوي الصلة بالملف العراقي أنّ تأمين العاصمة بغداد من الاعتداءات الإرهابية لن يكون سهلاً، لكن بينهم من يؤكد على أن الحفاظ على بغداد من داعش هو "السبيل الوحيد لضمان أن لا تقع بيد الميليشيات"، وهذا ما يوضحه، مايكل نايتس، في تقرير موسع بمجلة فورين بوليسي الأميركية، نعرض لبعض ما جاء فيه.
ويبدأ نايتس تقريره بالتساؤل "ماذا يهم إذا حررنا الفلوجة فيما ستتحول بغداد، في خضم العملية، إلى الفوضى الطائفية وحكم الميليشيات؟"، هذا هو السؤال الذي بدا محيراً لصناع القرار من العراقيين وقوات التحالف على حد سواء، وتصاعد في أعقاب سلسلة من التفجيرات في بغداد والمناطق الشيعية.
ويلفت الكاتب الذي ظل يدرس على نحو يومي أنماط الهجوم التي تتعرض لها بغداد، ولأكثر من عقد، أثناء عمله كمحلل لشركات الأمن في العراق، إلى "إثنين من الاستنتاجات حول موجة العنف الحالية".
أولاً: في عام 2012، كانت الموجات الرئيسية من التفجيرات في بغداد تصل إلى مرة كل شهرين، لكن بحلول أواخر عام 2013، صارت كل ثمانية أيام. خلال تلك الفترة، ارتفع عدد موجات التفجيرات الكبيرة في بغداد بسرعة من نحو 20 إلى أكثر من 50 في الشهر. وفي صيف عام 2013، كانت معظم الأيام تشهد ثلاثة أو أكثر من التفجيرات الكبرى في بغداد. ثم خفتت تلك الموجة "حين وجد داعش شيئاً أفضل يمكن لقواته أن تقوم به ألا وهو السيطرة على الفلوجة والموصل، ومعظم شمال العراق".
ثانياً: بغداد اليوم هي ليست بغداد عام 2013. وأصبح مواطنوها يعيشون قدراً أكبر من الأمن، ويريدون الحفاظ عليه، مع أنّهم يواصلون الاحتجاج على الحكم الفاسد وسوء الخدمات الشحيحة، وأبرزها سيكون صيفاً عبر تراجع توفير الكهرباء.
في الوقت ذاته، كما يقول نايتس فإن "الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران مثل "عصائب أهل الحق" و"سرايا السلام" التابعة لمقتدى الصدر، تتحرق شوقاً لتسلم الملف الأمني في المناطق الكبرى في العاصمة بدلاَ من قوات الأمن الحكومية، التي لم تكن قادرة على منع ليس فقط الهجمات المتزايدة، لكنها أيضا فشلت في منع عناصر من التيار الصدري من نهب مبنى البرلمان الشهر الماضي".
لماذا يبدو تأمين بغداد... صعباً؟
يشير المحلل والباحث في "معهد واشنطن" إلى المناطق الريفية المجاورة للعاصمة "أحزمة بغداد"، بكونها "هي المشكلة الرئيسية. فعندما قام التحالف الدولي بزيادة عديد قواته في العراق عام 2007، كانت الأحزمة تلك هدفاً لحملات مكافحة التمرد الطويلة عبر كسب ثقة السكان وتعاونهم لاحقاً ضد الإرهابيين. اليوم، هذه المناطق هي ذاتها التي يطلق منها داعش موجة هجماته الجديدة ضد بغداد. لكن قوات الأمن العراقية تعمل على مستوى أكثر بدائية عبر مواقع حراسة ثابتة أو "عمليات تطهير" كبيرة، يمكن لعناصر داعش تجنبها بسهولة.
المداخل والطرق الرئيسية في بغداد يجري تأمينها. والمدينة هي مركز مزدهر للأعمال والتجارة. وكل يوم، يعبر أكثر من مليون شخص 11 جسراً تربط بين أحياء شرق بغداد المكتظة بالسكان إلى غربها حيث المكاتب الحكومية وشركات الأعمال الخاصة، والعديد من نقاط التفتيش على مداخل المدينة والتقاطعات توفر بعضا من الحماية.
وفي جانب صعوبات تأمين بغداد، يلفت المحلل إلى أن "العديد من القوات المكلفة بنقاط التفتيش أنهكت بسبب الطقس والحرارة والغبار والملل، فقد تمر موجة المركبات دون أن تتعرض إلا لتفتيش خاطف. والعديد من نقاط التفتيش لا تزال تستخدم أجهزة الكشف عن التفجيرات والتي ثبت أنها أجهزة وهمية وسيئة السمعة، إلى جانب معرفة المفجرين بكيفية رشوة ما في طريقهم من نقاط التفتيش".
تأمين بغداد دون حكم الميليشيات؟
ويعتقد الباحث أن حملة التفجيرات الوحشية الأخيرة من قبل داعش على المناطق الشيعية في بغداد "تدفع البعض إلى النظر في بعض الحلول المتطرفة إلى حد ما. مثل السماح للميليشيات الشيعية لأخذ زمام المبادرة في الأمن عبر الهجوم على "مناطق سنية معينة يشتبه في أنها تحولت إلى كما مواقع انطلاق للمفجرين" كما في العملية التي نفذتها الميليشيات عام 2014 على جرف الصخر جنوب العاصمة بغداد"، في إشارة إلى اعتقاد واسع للأجهزة المتنفذة في بغداد من كون تلك المنطقة كانت مسؤولة عن كثير من الهجمات الإرهابية على العاصمة.
وهذا الخيار، بحسب نايتس، وسيلة سريعة لـ"دفع بغداد إلى حكم الميليشيات التي لديها سجل حافل من تجريم الآخرين، والانخراط في العنف الطائفي والقيام بعمليات خطف من أجل الحصول على فدية. الجمهور العراقي غير مستعد لقبول حكم الميليشيات، لكنه يحتاج بديلاً موثوقاً"، وهو بديل يرجح الباحث أن يكون تحرير الفلوجة من قبل القوات الحكومية كي تظل كلمتها هي الأعلى في تثبيت الأمن ببغداد وإبعادها عن نفوذ الميليشيات.
*الصورة: عناصر في القوات العراقية قرب الفلوجة/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659