بقلم حسن عبّاس:

يراها كثيرون بأنها "معركة تحرير الفلوجة"، فيما يراها آخرون بأنها "معركة ذبح الفلوجة". هي معركة واحدة، لكن قراءاتها متعددة. فكيف يراها الأشخاص الذين اختصوا في الفترة السابقة بفضح انتهاكات داعش المنهجية لحقوق الإنسان؟

إما العراق أو الإرهاب

"مَن لا يفرح لتحرير الفلوجة فهو عدو لأهل الفلوجة"، قال مؤسس صفحة "عين الموصل" على فيسبوك، مستنداً إلى كونه شخصاً خبر شخصياً ظروف الحياة تحت سيطرة داعش.

الصفحة التي تأسست بهدف "إيصال ما يحدث في الموصل إلى كل العالم"، شاركت بفعالية كبيرة جداً في ما يمكن تسميته "المعركة الأخلاقية" التي تدور بجوار معركة الفلوجة العسكرية.

هذا واضح من المنشورات التي نشرتها الصفحة، والتي اعتبر واحد منها أن "مَن يرفع شعار (حرب إبادة ضد السنّة) لا يكون إلا داعشياً إرهابياً"، داعياً الجميع إلى الاختيار بين العراق وبين الإرهاب.

وواضح عتب القائم على الصفحة على العرب المناوئين لمعركة الفلوجة. يوجّه إليهم السؤال التالي "نريد تحرير أرضنا من دنس الإرهاب، فلماذا تقفون ضدنا؟"، ويضيف "ماذا فعل لكم العراق لتتخذوا هذا الموقف منه وتساندوا داعش في حربها ضدنا؟".

غير بعيد عن هذا التقييم للمعركة، كتبت صفحة "عين العراق" أن "معظم الذين يبكون لإيقاف حملة تحرير الفلوجة كذبوا، فلا تصدقوا ثوار الفنادق".

لا حياد في مواجهة داعش

برأي صفحة "عين العراق"، وهي صفحة تشرف عليها مجموعة من الصحافيين العراقيين وتهدف إلى نشر الأخبار بلا مجاملة للقارئ، بحسب ما يرد في تعريفها، فإن "الفلوجة تعيش فتنة الاحتلال الداعشي، وتركها محتلة يهدر رمزية الغيرة والشرف العراقيان ويهدد مسار التعايش الاجتماعي كله".

وبتعابير قريبة، تعتبر "عين الموصل" أن الجنود العراقيين الساعين إلى تحرير الفلوجة يقومون "بواجب وطني ويغسلون الدنس الذي تسبب به داعش".

المعركة بحسب توصيف الصفحة هي "معركة الحق ضد الباطل" و"في معركتنا لا يوجد حياد" لا بل أن "مَن يقول إنه على الحياد فهو خائن".

والمعركة هي أيضاً "عملية القضاء على هوية الإرهاب ومحوها وسحقها في العراق، وكسر شوكة كل الجماعات الإرهابية التي تحاول جعل العراق منصة لها. هي عملية تخليص أهل الفلوجة من الشر الذي لحق بهم".

وتنتقد "عين الموصل" بشدّة معارضي معركة الفلوجة على أساس أن المدينة يجب أن تحرّرها قوات سنّية وتقول "أنتم أيها المقاتلون على جبهات القتال في الفلوجة، أيها الشجعان، أيها الأبطال، كونوا من كنتم، شيعة، مجوس، صفويين، نحن معكم، ندعمكم... إنكم بهذه الحرب تثبتون أنكم شجعان".

ضربة الفلوجة القاصمة

"مجتهد الأنبار"، وهي صفحة تعرّف عن نفسها بأنها "صفحة إخبارية مستقلة تُعنى بالشأن العراقي" تدعو العراقيين إلى الوحدة. فبرأيها "اتحادنا يقتلهم".

وبتقديرها، "سيضرب تحرير الفلوجة مصالح أطراف كثيرة تعتاش على التطرف والعنف"، ومن هنا أهمية عدم السماح لأحد "بعرقلة مسيرة التحرير".

ولا توفّر الصفحة من نقدها أحداً. ففي أحد منشوراتها كتبت أن "بعض المحسوبين على الشيعة يشوشون على انتصارات ‏الفلوجة ويحاولون إعاقتها بكل السبل أكثر من المتطرفين السنة، بل أكثر حتى من ‫‏الدواعش".

من جهتها، اعتبرت "عين الموصل" أنه حين يكون العراقيون مع جيشهم يداً واحدة، "لا تستطيع أي قوة في الكون أن تواجهنا".

ورأت أن معركة الفلوجة تفرض معادلة مفادها أن ما يحدث "يشكّل خطورة حقيقية على كل مَن يكره العراق، لأنه لن يجد بعد تحريرها طريقة لبث السموم بين العراقيين". وبرأيها، هي فرصة لتأسيس "عراق جديد".

وفي المناخ نفسه، اعتبرت "عين العراق" أن "ثوار الفنادق وجدوا أنفسهم في وضع خاسر إذا ما تحررت الفلوجة، فهم من يتربّح على احتلالها، وتحريرها يقضي على مصالحهم".

معركة الأولويات

"الكثير من العرب ومواطني الدول الأخرى يعتقدون أن ما يجري من صراع في العراق هو صراع سني شيعي"، تقول "عين الموصل"، لافتةً إلى أن "هذا هو التصور الذي يبثه داعش والقنوات الفضائية الطائفية".

أما الحقيقة، برأيها، فهي "أن العراقي سواء كان سنياً أو شيعياً أو إيزيدياً أو مسيحياً أو صابئياً أو تركمانياً أو عربياً أو كردياً يعيش نفس الظروف، والجميع معرّضون للخطر بسبب وجود داعش".

أما مجتهد الأنبار فيكشف، استناداً إلى مصادر من داخل الفلوجة، أخباراً غير متداولة مثل أن أبناء الفلوجة استبشروا خيراً بتقدّم القوات المشتركة، كما يكشف أن داعش "يخشى أن يثور السكان عليه أو أن يكشفوا تحركاته للقوات العراقية، كما أنه يريد منع المدنيين من مغادرة مناطق القتال لاستخدامهم دروعاً بشرية".

وفي وجه الحديث عن تدخلات أجنبية في معركة الفلوجة، كتبت "عين العراق" أن "القوات المحررة للفلوجة ليس فيها إلا عراقيو الجنسية، بينما قوات داعش المحتلة تتشكّل من 27 جنسية غير عراقية بحسب شهادات أهالي الفلوجة".

هذا الدعم العارم لمعركة الفلوجة لا يعني غضّ النظر عن تجاوزات تحصل. ولكن المسألة هي مسألة ترتيب أولويات. ويلخّص المشرف على صفحة "عين الموصل" المسألة بقوله "نعم تحدث أخطاء في الحرب، نعم هناك مفسدين في الحرب ولكن النتيجة ستستوعب كل هذه الأخطاء، النتيجة هي تحرير الفلوجة".

*الصور: عن صفحة الفنان العراقي أحمد فلاح على فيسبوك/تنشر بترخيص منه

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".