بقلم خالد الغالي:

في شهر آب/أغسطس 2009، أقدم عبد الله حسن عسيري، 22 عاماً، على محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف آل سعود (ولي العهد الحالي) في عملية انتحارية. كان الأمير حينها مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية. وهو أول من أسس، ابتداء من سنة 2004، "لجان المناصحة" لمحاورة المتورطين في قضايا الإرهاب.

لجأ عسيري، عضو تنظيم القاعدة في اليمن، إلى خطة ذكية. وصل إلى قصر محمد بن نايف، على أساس أنه يريد تسليم نفسه والمشاركة في برنامج المناصحة الذي أطلقه الأمير، بينما كان جسده في الواقع محشوا بالمتفجرات. فشلت عملية الاغتيال، وتحول جسده إلى أشلاء، في حين لم يصب محمد بن نايف سوى بجروح طفيفة.

تبنت القاعدة العملية. وأصدر عضو مجلس الشورى في التنظيم والعقل المدبر للعملية، إبراهيم الربيش شريطاً يبرر محاولة الاغتيال. الربيش، وهو أحد معتقلي غوانتانامو السابقين، شارك بنفسه في برنامج المناصحة، و"عاد" إلى الحياة العادية، قبل أن يفر إلى اليمن، عام 2009، ويلتحق بالقاعدة (قتل في نيسان/أبريل 2015).

تطرح محاولة اغتيال الأمير محمد نايف سؤالاً عريضاً حول نجاعة برامج التأهيل وإعادة الإدماج التي تعتمدها الدول مع مواطنيها المتورطين في أعمال إرهابية، أو الذين انضموا إلى تنظيمات مسلحة في الخارج.

وتتعزز المخاوف اليوم أكثر، بوجود حوالي 30 ألف مقاتل أجنبي في صفوف التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق، بينهم أعداد كبيرة من الدول العربية: 6000 تونسي و2500 سعودي و2000 أردني و1500 مغربي... إلخ.

يشكل هؤلاء المقاتلون تحدياً أمنياً مقلقاً لبلدانهم، خاصة إذا ما قرروا العودة. لذا، بدأت بعض الدول، منذ بداية ظهور الإحصائيات الأولى للمقاتلين الأجانب في سورية والعراق، بتحضير نفسها للخطر القادم.

السجن في الانتظار

حتى  تاريخ إعلان داعش "الخلافة"، في حزيران/يونيو 2014، لم تكن أغلب قوانين الدول العربية تجرّم الالتحاق بصفوف التنظيمات المسلحة للقتال في الخارج.

في المقابل، شهد العام 2015 إقدام أكثر من دولة عربية على إدخال تعديلات على قانون الإرهاب، بهدف سد أي فراغ قانوني قد يمكن الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية من الإفلات من العقاب في حال العودة.

ونصّ تعديل قانون الإرهاب في المغرب، في كانون الثاني/يناير 2015، على اعتبار "الالتحاق أو محاولة الالتحاق" بتنظيمات إرهابية في الخارج جريمة إرهابية، يعاقب عليها بالسجن من خمس إلى 10 سنوات.

وفي آب/أغسطس، اتخذت تونس خطوة مماثلة، بمعاقبة من "انضم عمداً، بأي عنوان كان، داخل تراب الجمهورية أو خارجه، إلى تنظيم أو وفاق إرهابي". وتصل العقوبة في أقصاها إلى 12 سنة.

أما قانون الإرهاب المصري (آب/أغسطس  2015)، فنص على المعاقبة، "بالسجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنين كل مصري تعاون أو التحق.. بأي من الجماعات المسلحة.. التي يقع مقرها خارج مصر".

آخر هذه الدول، الجزائر، صادقت، نهاية أيار/مايو، على تجريم الالتحاق بالجماعات الإرهابية.

لكن، حتى في ظل ترسانة قانونية صارمة، يبقى من الصعب جداً إثبات ضلوع أي من المقاتلين العائدين في ارتكاب جريمة إرهابية، باستثناء جريمة الانتماء لمنظمة إرهابية.

يقول الكاتب والصحافي التونسي هادي يحمد في تصريح لـ(إرفع صوتك) "هناك حوالي 650 من العائدين من سورية وليبيا والعراق أحصتهم وزارة الداخلية التونسية. بعضهم وقع الزج به في السجون في انتظار محاكمتهم.. والبعض الآخر أبقي في حالة سراح تحت المراقبة الأمنية. (لكن) مشكلة السلطات التونسية هي أنها لا تملك أدلة حقيقية على نشاطات العديد منهم عندما خرجوا من تونس".

مغامرة التأهيل

اعتمدت عدة دول برامج لتأهل الإرهابيين الموقوفين. وكانت السعودية من بين أول هذه الدول، حيث أسست مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، منذ سنة 2006.

يشرف المركز على إجراء حوارات شرعية مع الإرهابين الموقوفين. أكثر من هذا، "يوفر برنامج المناصحة السعودي للذين يتخلون عن الجهاد شروطاً مادية سخية (تخصيص مرتب شهري وشقة وسيارة ووظيفة و20 ألف دولار في حال الزواج) ودروساً دينية من قبل أئمة يحظون بالاحترام"، تقول وكالة الصحافة الفرنسية.

رغم هذا، تبقى الشكوك حول نجاعة برامج التأهيل كبيرة. وقال مسؤول كبير في محاربة الإرهاب في فرنسا، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، إن السعوديين يؤكدون أن برنامجهم "حقق نجاحاً لكني أؤكد لكم أن نسبة الفشل لديهم بلغت 80 في المئة. الشبان يتابعون الدروس ويأخذون المال ثم يذهبون للانضمام الى مقاتلي القاعدة في اليمن".

في المقابل، تنقل وسائل الإعلام السعودية عن المسؤولين بمركز محمد بن نايف تأكيدهم أن نسبة النجاح تصل إلى 85 في المئة.

مهما يكن، يبقى خيار التعويل على إعادة دمج الإرهابيين في الحياة العامة مغامرة محفوفة بالمخاطر.

في تونس، وعقب ثورة 2011، صدر عفو تشريعي عام أطلق بموجبه سراح عشرات المحكومين في قضايا إرهابية، سرعان ما عادوا إلى نشاطهم من جديد.

يقول المحامي وأستاذ القانون بجامعة تونس محمود حسن "كان هؤلاء المحكومون مسجونين منذ عهد بن علي. شملهم العفو العام، من دون أن يكونوا قاموا بمراجعات. وبمجرد خروجهم، التحق جزء منهم بتنظيمات إرهابية. أبرز مثال على ذلك المجموعة المعروفة بمجموعة سليمان".

وسليمان مدينة ساحلية على بعد نحو 40 كلم جنوب العاصمة، شهدت نهاية سنة 2006 مواجهات دامية بين قوات الأمن ومجموعة مسلحة، انتهت بمقتل 12 إرهابياً، واعتقال 30 آخرين صدرت في حق بعضهم أحكام بالإعدام.

"بعد العفو، وفي ظل الضعف الذي ضرب هياكل الدولة إثر الثورة، استطاع عدد من المفرج عنهم استغلال تدفق السلاح والوضع الأمني، وعادوا إلى الجبال"،  يختم محمود حسن.

*الصورة: تشير الإحصائيات إلى وجود قرابة 30 ألف مقاتل أجنبي في صفوف الجماعات المسلحة في سورية والعراق/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".