بقلم علي عبد الأمير:
مرت أجيال عراقية كثيرة حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي بمرحلة من التعامل الإيجابي مع المستقبل، بوصفه معادلاً للتغيير نحو الأفضل. لكن العقود اللاحقة وبما حملته من حروب وحصارات ثم حروب خارجية وداخلية وما أنتجته من أزمات ثقيلة، جعلت المستقبل مجهولاً في أغلب الأحيان. وهو ما انعكس في قلق حقيقي من المستقبل انطلاقاً من فكرة شائعة، هي "اليوم أحسن من الغد"، على الرغم من أنّها نقيض الإيقاع الطبيعي للحياة.
وفي هذا الصدد، يقول الأستاذ الجامعي الشاب محمد فاضل المشلب إن "الحال التي يبدو عليه الشباب (في بلدي العراق)، لا تختلف كثيراً عن الحال القلقة لدى الكثير من الشباب في البلدان العربية الأخرى، فقادم الأيام لا ينبئ بتحسن ظروفهم المعاشية ولا الاجتماعية".
ويضيف المشلب "بين أزمة اقتصادية عالمية بسبب تدهور أسعار (النفط)، الوسيلة الوحيدة لضخ الأموال لخزينة العراق، وبين حروب شبه عالمية تقودها القوى الإقليمية بإدارة متوارية من القوى العالمية ضدّ قوى وعُصب متطرفة، وبين طحنٍ داخلي سببه الأول عقم سياسي لدى الطبقة المهيمنة في العراق من أحزاب شيعية وأخرى سنية وكردية سبّب الويلات في بيوتات العراقيين، قاد ذلك لتحرّك إحتجاجي للشباب في مختلف مراكز مدن العراق لأكثر من عام، طالبَ الشباب فيه بحدوث تغيير بنظام الحكم الذي وصفته بالعقيم، وأدخل الشباب بحالات القلق التي ولّدت بعضها العنف بوصفه ردّة فعل ما، منها داخلي وبعضها خارجي وأقصد تحديداً بالخروج من بلادهم واللجوء إلى أوروبا رغم خسارات الأنفس".
الغد يا عذابي!
ويبدو الغد مثيراً لقلق يعذب حياة الناشط العراقي سيف الشبوط الذي يوضح في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن "أكثر ما يقلقني كمواطن عربي وعراقي، هو المستقبل. أي مستقبل ينتظرنا وينتظر أطفالنا في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة والعراق بصورة خاصة؟ هذه الظروف القاهرة تجعلنا قلقين جداً من هذا المستقبل. هناك الحرب الطائفية التي أصبحت طويله الأمد وبلا نهاية، وهناك الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة وأصبح متلازماً معه، وأنا أعتبره المرحلة العليا للإرهاب. هناك أيضاً التعليم البائس وتدهور النظام الصحي. كل هذه تجعلنا شعوب قلقة وغير مستقرة، وتفكر بالهجرة بحثاً عن الأمان والاستقرار".
لكن المشلب يعود في حديث إلى (إرفع صوتك) قائلاً "العراقيون مجبولون على الصبر وتحمّل مشاق الحياة، لتجاربهم المتعددة مع الأزمات منذ عقود طويلة، والشبابُ العراقي ينتظرُ أن يخرج من دوّامة القلق والمصير المجهول، والتنبؤ بقادم أفضل ومبهج كي يحصل على حقوقه الأساسية من عمل يناسب محصلته العلمية الأكاديمية، وسكن محترم يأويه وأسرته، ووضعٍ مَأمون يتجول فيه بحرية، وضعٍ غير مربك، وخال من كلمات الغياب والترحيل والنفي القسري التي لازمت القاموس العراقي منذ سنوات بعيدة".
إلى ذلك ينتقل الكاتب والصحافي حسين العنكود إلى مدار الراهن بوصفه باعثاً على القلق من المستقبل، فيركز على المعركة مع داعش، قائلاً "ما الذي يشغلني أكثر من غيره؟ أنتم تفكرون بالنصر مجرداً مما بعده، وأنا أخالفكم هذا، فالمعركة يا أصدقائي لاتشبه أبداً ما قرأناه في تاريخ الحروب التقليدية. هذه حرب فكرية متشعبة، فهل أحصيتم مثلا نتائج مكوث الأشرار لمدة عامين مع مواطنين بلا أسلحة وإرادة؟ وما يترتب عليها من غسل أدمغة، هل أحصيتم مثلا عدد الفتيات اللائي صرن زوجات (صالحات مطيعات) لأمراء التنظيم ومقاتليه على مدار عامين، هل أحصيتم عدد الأطفال المولودين من مقاتلين من كل الجنسيات وأمهات سبايا، تخبرنا مصادرنا أنهم تجاوزا 10 آلاف طفل؟، هل أخبركم أحد أن هؤلاء سيسجلون رغماً عنا كعراقيين في سجلات الأحوال وفقاً للقانون العراقي؟ وهل تعلمون أن كثيراً من هؤلاء تم تنشئتهم كي يكونوا انتحاريين مستقبليين؟".
مستقبل مشترك هو الحل
ويعتقد العنكود في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) أن "أرضية للتفاهم المشترك والتصالح هي السبيل إلى مستقبل يسعى إليه الناس حقاً، وليس هناك سوى حل واحد للإنقاذ العام، هو حملة واسعة من المثقفين من كل الأطراف تسعى لمؤتمر عام وبسرعة قصوى، وتفرض رأيها على الحكومات بعد أن تعبئ الشارع وتقنعه بقراراتها، وتنسى كل التاريخ المعقد وتبادر للاتصال بالنخب الثقافية في ايران والسعودية وكل الدول الإقليمية والتحدث بصراحة لأجل الإصلاح وإنقاذ ما تبقى من العراق وسورية والعالم المهدد".
*الصورة: شاب عراقي وحيد على مدرج المسرح البابلي/علي عبد الأمير
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659