بقلم إلسي مِلكونيان:

يعتبر بعض الخبراء أن المرحلة الانتقالية التي مرت بها تونس منذ 2011 إلى الآن هي "قصة نجاح مدوية" حيث التسوية التاريخية بين الأحزاب العلمانية والدينية والانتخابات وانتقال السلطة.

لكن أشار استطلاع للرأي أجراه "المعهد الجمهوري الدولي" مطلع هذ العام إلى أن 83 في المئة من التونسيين يعتقدون أن بلدهم يسير في اتجاه خاطئ ويصفون الوضع الاقتصادي لبلدهم بالسيء ويعتقدون أن الإرهاب هو من أكبر التحديات التي تواجه تونس حالياً.

دعم مالي

تلقت تونس دعماً مالياً من عدة دول لتصويب شؤونها الداخلية ولتدعيم العملية الديموقراطية التي شرعت بتطبيقها منذ رحيل الرئيس بن علي والقضاء على الإرهاب. فقد زاد الاتحاد الأوربي كمية الأموال المرصودة للأعوام 2014-2020 بين مساعدات ومنح تتراوح بين 725 و886 مليون يورو بالمقارنة مع  حوالي 600 مليون يورو بين 2007-2013 بهدف التنمية الاقتصادية ودعم أسس الديمقراطية.

ويتضمن ذلك دعم الانتخابات وحقوق الإنسان وتطوير الجهاز الأمني. بينما قدمت الولايات المتحدة 91 مليون دولار لمساعدة تونس، منها 50 مليوناً لدعم الاقتصاد و30 مليوناً للتمويل العسكري و11 مليوناً لدعم أجهزة الأمن، حسب استراتيجية المجلس الأطلسي من أجل تونس ديموقراطية.

فما هو سبب قلق التونسيين على مستقبلهم؟

تقصير المسؤولين

يقول مراد الخطاب، وهو خبير متخصص في الإدارة المالية في تونس، إن التعاون مع الولايات المتحدة يعود إلى قرنين من الزمن. لكنه تدعّم مؤخراً بهدف مكافحة الإرهاب. "ونحن كخبراء وتقنيين تونسيين نقول إن القائمين على الشأن المالي في تونس يفتقرون الكفاءة في إدارة الموارد التي تأتي من الخارج وفي كيفية توظيفها على الأرض، إذ تصرف 67.5  في المئة من القروض في جوانب غير واضحة وغير مفهومة بسبب غياب الوثائق الرسمية".

ويضرب الخطاب مثلاً أن البيانات الرسمية الأخيرة التي أصدرها البنك المركزي التونسي تعود إلى 2012 (بينما يجب أن تكون أحدث) "لأن الحكومة تعمل وسط فوضى في إدارة المديونية الداخلية والخارجية".

ويضيف الخطاب أن هناك الكثير من المشاكل في كل من قطاع الخدمات والطاقة، "لأن هناك مشكلة في مراقبة الشركات والتعامل معها بأسلوب معياري لنعرف أين تذهب الأموال الخارجية من خلال القوانين الموجودة في تونس. والتضخم البالغ حالياً 19 في المئة، وإن بلغ حداً جامحاً، فهو لا يمكن التحكم فيه. أما التراجع في قطاع السياحة فهو محزن للغاية".

ويشرح الخطاب أن الدعم من الدول الأوروبية، هو بشكل قروض وليس منح لمعالجة عجز الميزانية التونسية والعجز في ميزان المدفوعات.

 ضرورة استمرار الدعم الغربي

تستحوذ التطورات في تونس على اهتمام مراكز البحث بهدف طرح أفضل السيناريوهات التي تعنى بدعم الديموقراطية فتكون مثالاً للدول العربية التي عايشت تجربة الربيع العربي.

وفي هذا الإطار أصدر المجلس الأطلسي ومركزه واشنطن العاصمة تقريراً، في 1 حزيران/يونيو، يطرح "استراتيجية عبر الأطلسي من أجل تونس الديمقراطية".

ويشرح الباحث كريم مزران من مركز رفيق الحريري في المجلس الأطلسي وأحد محرري هذا التقرير لموقع (إرفع صوتك) أن السبب في مخاوف التونسيين هو إهمال الإصلاحات الاقتصادية وأنه يتوجب على الحكومة أن تعالج ذلك بشكل سريع.

ويقول مزران إن "الدعم الذي حصلت عليه تونس لمساعدتها على حل مشكلاتها لم يكن كافياً لأن الحكومة تحتاج إلى حوالي ملياري دولار سنوياً من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية.

كما يوضح أهمية تونس بالنسبة للدول الغربية قائلاً "تعتبر تونس البلد الوحيد الذي يظهر سبيلاً للديمقراطية. لذا أعتقد أن الدعم الغربي لها سوف يستمر لأن البلاد ستعود إلى مرحلة من الفوضى إذا ما توقف الدعم. وهذا يتنافى مع ما تهدف العملية الديمقراطية لتحقيقه".

ويشير مزران إلى أن الإرهاب يمكن أن يتضافر مع سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضاً، وتحسين الشؤون الاقتصادية للتونسيين سيؤدي إلى تقليص نسبة المنضمين للإرهاب المتواجد في جميع أنحاء العالم.

وللتخفيف من مخاوف التونسيين من المستقبل، يرى مزران أن دعم الدول الغربية يجب أن يكون أكثر تخصصاً ليكون في منحيين:

- الأول هو توفير البرامج التدريبية لتمكين المؤسسات الجديدة وخلق برامج تدريب وورش العمل لأعضاء البرلمان لتطوير معرفتهم بإدارة الشؤون البرلمانية.

- الثاني هو بناء علاقة فاعلة مع المواطنين حيث تتوقف الملاحقة وتعذيب الموقوفين والاعتقالات التعسفية ودعم القضاء. أي بالمختصر تطوير العملية الديمقراطية بحيث لا تعود البلاد إلى حالة الفوضى وعدم الاستقرار.

*الصورة: متظاهرون تونسيون يطالبون بتوفير فرص عمل للخريجين-2012/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".