مشاركة من صديق (إرفع صوتك) حسام محمد:
في زمن أصبح فيه كل شيء بضغطة زر، بل إن بعض الأجهزة صارت تعمل ما يريده الإنسان بمجرد التفكير. وفي زمن بات السلاح النووي فيه هو المتحكم بمصائر الناس وأرواحهم، وتكنولوجيا المعلومات والبرمجيات هي اللغة السائدة في مخاطبات المجتمع الدولي، والحروب الإلكترونية في أوج توقدها تقاد من أزرار الكيبورد وتحقق انتصارات قد تهتك وتفتك بدول كبرى وتطيح باقتصادها، وتجعل منها كيانات تعاني من تقشف في ميزانياتها الضخمة.
وفي زمن باتت الحروب تدار ويتحكم بها من داخل غرف إلكترونية ممتلئة بأجهزة الحاسوب المتطور في كل لحظة. وفي خضم كل هذا التطور والتقدم، الذي جعل من الكرة الأرضية كرة صغيرة تراقب كل شيء فيها أقمار صناعية وروبوتات وذكاء اصطناعي يتحكم في كل مكان يمكن أن تصل إليه التكنولوجيا، يخرج لنا أبو جهل القرن العشرين، البغدادي، بسيفه الخشبي يريد الإطاحة بأوروبا، وأميركا والعالم!
فنحن بكل بساطة، وعلى رأي بعض الشيوخ، نمتلك طاقة عقلية وفكرية خارقة استطعنا من خلالها التوصل إلى حل لمشكلة تخلف الأمم وانحدارها وعوزها وفقرها، وخاصة أمة الإسلام، وهي مشكلة حيرت علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة منذ عدة قرون.
وجد هؤلاء أن سببا مشاكلنا هو ترك الجهاد والقعود بلا حرب مع الكفار والتهاون معهم والركون إليهم أحيانا، كما يفتي أبو جهل البغدادي، من على منبر إسلامي مليء بأفواه تتغنى بفتاوى التكفير وإراقة الدم والتلذذ بالقتل والتعذيب..
فالعرب اليوم، باعتقاد تيار أبو جهل الحديث المعاصر، يعانون من تخلف واضح وهو عدم مواكبة الحياة بمنظورها الإسلامي الذي يقوده أبو جهل الداعي إلى الغزو واغتنام النساء والأموال والمعدات والطائرات والسيارات والحواسيب والخ من بلاد الكفر التي تمتلك ربما أكبر ترسانة نووية على سطح الأرض!
فالسيف الخشبي هو ذلك الحل السحري لانعاش الاقتصاد العربي. فبالسيف نتحدى أكبر طواغيت أوروبا ونوقفهم عند حدهم ونلقنهم درسا نجعلهم من خلاله يتوسلون بنا للعفو عنهم ولن نعفو عن الكفار أبداً!
وليس بغريب أبداً فهم يريدون جعل شعب اليابان مجرد عبيد يخدمون في البيوت للتنظيف، ومن شعب أميركا خدماً لجلب حاجات السوق، ومن شعب بريطانيا سواقين يقودون سياراتنا، ومن شعب كوريا عمال طهي الطعام، ومن شعب ألمانيا مجرد أشخاص لمسح أحذيتنا. كل هذا بحلٍ بسيط، لم يخطر ببال كبار السياسة حول العالم، وهو: أن نغزو تلك البلدان بسيوفنا الخشبية، مع عدة مسابح ومساويك وأصوات تكبير وتهليل. وكل هذه الشعوب تتفرج وتذعن للعبودية. لا يمكن لهم أن يتحركوا أو يدافعوا ويقاوموا فنحن نأتيهم بالرعب، حيث لحانا الطويلة الكثة السوداء كفيلة بإرعاب نصف مليار "كافر" حول الكرة الأرضية، وبمسبحة شيخ الإسلام نستطيع، وبعد توفيق الله، أن نشعل النيران بأكبر ترسانة سلاح نووي على محيط البحر المتوسط بفضل تسبيحة واحدة!
ويعتقد صاحب السيف الخشبي أن اقتصاديات هذه الدول سينهار مع تكبيرة واحدة لشبل من أشبال "الدولة الإسلامية" فالطفولة أكثر نقاءً من الكبار، وصوته في السماء أكثر استجابة من غيره من أصوات البالغين!
أما صلاتنا، فبفضل لحية الشيخ أبو جهل البغدادي سنقيمها، إن شئنا، بفرنسا أو في إسبانيا وكما يحلو لنا. فالأرض فارغة من سوانا فنحن ملوك الأرض بعد أن حققنا نصراً كبيراً في المعارك مع إسرائيل ودول أوروبا الكافرة... هكذا هو الإسلام بنظر أبو جهل البغدادي ببساطة. يريدون منا أن نكون أدوات لمخططاتهم المتخلفة التي تقود الشباب إلى هاوية الموت بحجة الجهاد في سبيل الله.
ومن الغريب أن هذه العقول استطاعت استقطاب الكثير من الشباب ممن هم بعيدون عن الإسلام، وجعلت منهم أدوات طيعة تصل بهم حد قتل النفس بالانتحار دون تردد، وبعقيدة ثابتة ويقين خالص، وهم شباب الدواعش من أوروبا.. فكيف استطاعوا مثلاً أن يقنعوا مغني راب أو عازف موسيقي لا يمت للدين بأي صلة أن ينضم إليهم، ويحمل فكرهم، ويتبناه حد القتل في سبيله.. إنه لأمر في غاية الحيرة، وقد لا نجد له تفسيراً واضحاً، لا على المستوى النفسي، ولا حتى على المستوى التحليلي. فالشباب الأوروبي أخذ يعتنق ديناً شعاره السيف والقتل والحرق والإرهاب بكل مسمياته دون تردد وبكل قناعة..
ما علينا فعله اليوم هو أن نقوم بتوعية ما تبقى من شباب منخدع بشعارات إسلامية براقة لا تمت للإسلام المحمدي الحقيقي بأي صلة. فأبو جهل العصر يجب أن يُقتل بالوعي والثقافة، والكلمة الهادفة الواعية المنقذة المحررة قبل أن يقتلنا جميعاً يوماً ما.
لمتابعة الكاتب على فيسبوك إضغط هنا.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.