بقلم حسن عبّاس:

كلّما شهدت دولة عربية نزاعاً داخلياً مسلّحاً، ينشأ سجال حول تبنّي النظام الفيدرالي ومدى مساهمته في إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع الدول التي مزّقت الحروب الطائفية والعرقية أنسجة مجتمعاتها.

في 17 آذار/مارس الماضي، أعلنت الفصائل الكردية السورية التي تسيطر على مناطق انتشار الأكراد في سورية عن تطبيق النظام الفيدرالي في مناطق سيطرتها في شمال البلاد.

هذا الإعلان أثار أحدث موجات سجالية واسعة. وانقسمت الآراء بين تيار مؤيد للفكرة بلا تحفّظ وتيار يعتبرها تقسيماً وتفتيتاً للدول العربية، وتيار ثالث يحاول قراءة الوضع القائم بموضوعية مبرزاً حسنات الفيدرالية ومضيئاً على تحديات تطبيقها.

وبرأي القيادي في حركة المجتمع الديموقراطي السورية عبد السلام أحمد، فإن "الدول العربية تشهد صراعات أدّت إلى تمزيق أنسجة المجتمعات"، مضيفاً لموقع (إرفع صوتك) أن "الدولة الديموقراطية الفيدرالية ستضمن تعايش كل القوميات والأديان بسلام".

أما الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، فقد اعتبر أن مجرّد طرح فكرة إحداث تغييرات كبيرة على طبيعة الأنظمة القائمة يؤكد أن "النظام القديم تهالك ويجب البحث عن بديل".

لكنه رأى أن "المشكلة هي أن النظام القديم كان لا فقط مركزياً بل أيضاً مستبداً ويحكمه في غالب الأحيان إما ممثل عن طائفة أو قبيلة أو عشيرة".

وأضاف لموقع (إرفع صوتك) أن "الفيدرالية خطرة إذا أتت على أساس عرقي أو طائفي لا على أساس جغرافي. فبهذا تتحول الطائفة أو العرق إلى دويلة وتظهر نزعات استقلالية وهنا مكمن الخطورة".

من جهة ثانية، يخشى البعض من أن تؤدي مشاريع الفدرلة إلى مكاسب لطوائف وخسارة لطوائف أخرى.

https://twitter.com/WaelEssam77/status/711120710945660928

الحالة العراقية

في 23 آب/أغسطس 2014، أعاد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إثارة سجال بدأت إرهاصاته بعد وقت قليل من سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين.

قال بايدن إن العراق يحتاج إلى نظام "فيدرالي فعال" يضمن "المساواة في الدخل بين كل المحافظات العراقية وتأسيس قوات أمنية محلية لحماية السكان في المدن والبلدات وحرمان داعش من حرية الحركة وحماية وحدة العراق الإقليمية".

وترتبط ببايدن فكرة تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق تتمتع بحكم ذاتي واحدة للأكراد وثانية للسنّة وثالثة للشيعة.

في فترة من الفترات، طرح بعض الشيعة العراقيين فكرة إقليم شيعي في جنوب العراق، ثم عادت أكثرية الشيعة ومالت ضد هذا الطرح. في المقابل، نشأ ميل واسع عند السنّة العراقيين إلى تأسيس إقليم عراقي سنّي.

ويعتقد بعض العراقيين بأن لا حل للأزمة العراقية إلا بفيدرالية مثلثة الأضلع.

https://twitter.com/drkhudhair/status/594443650827943936

الحالة السورية

قبل إعلان أكراد سورية المذكور، كان قد ثار سجال واسع بعد تصريح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، في 29 شباط/فبراير الماضي، بأن بلاده تؤيد فكرة الفيدرالية في سورية إذا اتفق عليها المشاركون في مؤتمر جنيف.

وقبل ذلك بخمسة أيام، في 24 شباط/فبراير، حذّر وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في حديثه أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، من أنه "ربما فات الأوان على إبقاء سورية موحّدة إذا انتظرنا فترة أطول".

الحالة الليبية

منذ سقوط نظام الرئيس الليبي الأسبق معمّر القذافي، ثار سجال في ليبيا حول الفيدرالية.

والفكرة المطروحة في ليبيا والمدعومة من بعض الأروقة الديبلوماسية الدولية هي تقسيمها إلى ثلاثة أقاليم: طرابلس في الغرب، برقة في الشرق، وفزان في الجنوب. ولعلّ الانقسام الليبي الحاصل حالياً، يؤكد أن هنالك تجاذب بين الليبيين على أساس جغرافي.

الحالة اليمنية

في مؤتمر الحوار الوطني اليمني الذي انعقد قبل الأزمة الحالية، اتفقت الأطراف اليمنية على تقسيم اليمن إدارياً إلى ستة أقاليم لكل منها برلمان خاص وحكومة خاصة، على أن تبقى إدارة الشؤون الخارجية والدفاع بيد الحكومة الاتحادية.

ورفض الجنوبيون المؤيدون لـ"الاستقلال" فكرة الأقاليم وطالب بعضهم باستقلال جنوب اليمن التاريخي فيما رضي آخرون بتقسيم الأقاليم المقترح.

وكان يفترض أن يدخل هذا الاتفاق في الدستور في أواخر عام 2014، ولكن تفاقَم النزاع بسبب رفض الحوثيين له. فقد وضع التقسيم المذكور مناطق نفوذ الحوثيين في "إقليم أزال" الذي يضم صعدة وعمران وصنعاء وذمار. وهذا يعني حرمانهم من منفذ على البحر ومن المناطق النفطية.

وبرأي حسن نافعة "لو استقل الحوثيون واستقل جنوب اليمن تحت غطاء الفيدرالية فالأمر سيشكّل خطراً على وحدة الشعب اليمني".

ضمانة... بحسب النيّات؟

برأي عبد السلام أحمد فإن "النظام الفيدرالي هو الأمثل لسورية المستقبل، وهو من أنجح النظم السياسية في العالم كما تثبت تجارب دول متقدمة حول العالم وتجربة الإمارات العربية المتحدة عربياً".

عند إعلان أكراد سورية للفيدرالية في مناطقهم، توحّد النظام والمعارضة على رفض الخطوة.

واعتبر أحمد أن "المعارضة السورية تمثّل الوجه الآخر للنظام فهُما أسيرا الفكر القومي التقليدي ويشتركان في توجهاتهما الاستبدادية الإنكارية للقوميات. وأي دعوة لإنصاف المكوّنات الموجودة في المجتمع ينظرون إليها كمشروع انفصالي".

ولكن الدكتور نافعة يقرأ الطرح الفيدرالي بحذر. قال "لو أُريد من الفيدرالية أن تكون نظاماً للحكم المحلي يخفّف من سطوة الدولة المركزية ويعطي دوراً أكبر لسكّان الأقاليم في صنع حياتهم وإظهار خصوصياتهم الاجتماعية فلا بأس بذلك. ولكن الأقاليم المقسّمة على أساس طائفي أو عرقي قد تؤدي إلى صراعات".

ولفت إلى أن "الفيدرالية على أسس جغرافية واقتصادية مستحبّة وتؤدي إلى تنشيط التنوّع والحث على المزيد من المشاركة السياسية"، مضيفاً "إذا استُخدمت الفيدرالية كغطاء للبعد عن الحكم المركزي ستكون نتيجتها سلبية".

باختصار، يرى نافعة أن المسألة لها علاقة نوعاً ما بالنيّة من طرح الفيدرالية. واعتبر أن "الأمر يتوقّف على الثقة المتبادلة والرغبة في إقامة نظام أكثر ديموقراطية".

*الصورة: مقاتلون أكراد في كوباني/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".