بقلم خالد الغالي:
تجاوز عدد اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا، خلال العام 2015 وحده، مليون لاجئ. أكثر من نصفهم من سورية والعراق. لكن مع الخسائر التي تكبدها تنظيم داعش خلال هذا العام (فقد 40 في المئة من الأراضي تحت سيطرته) واستمرار المحاولات لإحياء مفاوضات السلام في سورية، بدأت الكثير من الأسئلة تطرح حول مستقبل اللاجئين.
ألمانيا، أكثر بلدان أوروبا احتضاناً للاجئين، أعلنت أنها ستعيدهم إلى بلدانهم بعد انتهاء الأزمة الحالية. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في تصريحات صحافية "نحتاج لأن نقول للناس إن هذه إقامة مؤقتة، ونتوقع أنه حين يحل السلام في سورية مرة أخرى وحين نلحق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق سيكون بمقدورهم حينها العودة لديارهم".
وحتى قبل انفراج الأزمة، بدأ كثير من اللاجئين في العودة إلى بلدانهم، إما بسبب تعقيد سياسة الهجرة فيما يتعلق بتصاريح الإقامة ولم الشمل أو بسبب صعوبة الاندماج والحصول على فرصة عمل.
يقول محمد الأوسي، وهو صحافي عراقي لجأ إلى السويد منذ العام 2007 "قبل أسبوعين فقط، عاد صديق طفولتي إلى العراق. وصل إلى السويد في ظروف صعبة، ورزق بطفل بعد يومين من وصوله. وجد أن السويد بلد ممل، لا يستطيع العيش فيه. كان يقول إن العراق فيه حياة رغم العمليات الانتحارية والانفجارات".
في المقابل، يرى لاجئون آخرون أن مستقبلهم في أوروبا، وليس في بلدانهم الأصلية. "من تكون حياتهم مهددة مثلي لا خيار أمامهم سوى البقاء. حياتي هنا مستقرة. لدي وظيفة، وأطفالي في المدرسة. إذا خُيرت، فلن أرجع إلى العراق"، يؤكد محمد الأوسي.
وغادر الأوسي بغداد نحو السويد منذ تسع سنوات، بعد تلقيه تهديدات بالقتل لعمله في صحيفة أميركية.
العمل.. المهمة المستحيلة
يحظى اللاجئون، خاصة في دول أوروبا الغربية، بحياة جيدة على العموم (سكن وراتب شهري). لكن أصعب مهمة تواجههم هي الحصول على عمل.
يقول محمد العاني، وهو مهندس عراقي يقيم لاجئا في العاصمة النمساوية فيينا منذ أكثر من سنتين "لا يمكنك أن تحصل على عمل دون أن يكون لك مستوى متقدم في اللغة الألمانية. أنا في المستوى الثاني، وعلي أن أكمل المستوى الرابع حتى أتمكن من إيجاد عمل. زوجتي طبيبة، وعليها انتظار سبع سنوات حتى تتمكن من الحصول على فرصة عمل".
لحسن حظ اللاجئين تقدم دروس اللغة مجاناً، بل يدفع مصروف إضافي لمن ينخرط فيها.
وإذا كان محمد الأوسي حصل على الإقامة الدائمة في السويد بعد ثمانية أشهر فقط من وصوله إليها، فإن اقتناص فرصة عمل لم يكن بنفس السهولة. "لم أحصل على وظيفة إلا بعد خمس سنوات"، يضيف الصحافي العراقي السابق الذي يعمل حاليا موظفا في بلدية مدينة أسطروب (أقصى جنوب السويد)، كمشرف على اللاجئين القاصرين الجدد.
الملاحظة ذاتها يؤكدها مصطفى العيساوي (اسم مستعار)، وهو لاجئ عراقي في تركيا. "الحصول على عمل في تركيا أمر مستحيل لاعتبارات لغوية. فرغم أنني مهندس وزوجتي مهندسة، وشاركت أكثر من مرة في دورات في اللغة، إلا أنني لم أستطع الحصول على عمل"، يقول مصطفى وهو مهندس ميكانيكي من الفلوجة.
ويتابع "ظللت أراسل دولاً عربية وشركات كانت لي بها صلة في عملي السابق كمهندس ورئيس قسم، دون جدوى".
العودة.. الخيار المر
فتحت كثير من الدول الأوربية حدودها لاحتضان اللاجئين، لكن مع وصول الوافدين إلى أرقام قياسية، بدأت هذه الدول في تغيير سياستها.
"إلى حدود منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2015، كانت النمسا تمنح إقامات دائمة للاجئين. حاليا، لا تمنح إلا إقامات مؤقتة لثلاث سنوات"، يوضح محمد العاني.
طبقت السويد بدورها سياسة مشابهة. وتجاوز عدد اللاجئين الذين وصلوا عام 2015 إلى هذا البلد 167 ألفاً. وهو رقم قياسي لم تعرفه السويد حتى خلال حرب البوسنة عام 1992.
دفعت الأعداد الهائلة السويد إلى تشديد قوانين الهجرة. يقول محمد الأوسي "أعمل كمشرف على اللاجئين القاصرين. والحكومة تفكر في أن تجري فحوصات واختبارات لمعرفة أعمارهم الحقيقية، والتأكد إذا ما كانوا قاصرين فعلاً".
ومع هذه الأفواج الهائلة، صار البث في طلبات اللجوء يتأخر بشدة. "قد يبقى الفرد معلقاً لأكثر من سنة كاملة، دون معرفة مصير طلبه. وبدل البقاء في وضع كهذا، فضل بعض اللاجئين العودة"، يؤكد محمد الأوسي.
من جهته، يوضح محمد العاني "أغلب العائدين، هم من مناطق لم يصل فيها الوضع إلى حد تهديد حياتهم بشكل مباشر. فاختاروا العودة بدل انتظار تصريح إقامة قد يقبل أو قد يرفض".
ويضيف المهندس العراقي "أعرف كثيراً من الناس عادوا إلى مدنهم. شخصياً، وبحكم معرفتي بالإنكليزية، أخذت عدداً من معارفي إلى منظمات اللجوء حتى يبدأوا إجراءات العودة".
أما عن مستقبله هو، فيقول "العودة أو البقاء هي المعادلة الصعبة التي على الإنسان أن يختارها ويتحمل نتائجها. هنا، الوضع آمن، والأطفال يدرسون، ومستوى المعيشة أفضل. لكن رغم ذلك، لو يعود الوضع في العراق إلى سابق عهده أرجع".
أما مصطفى العيساوي، الذي غادر الفلوجة بعد سقوطها في يد داعش وبداية القصف على المدينة الذي وصفه بـ "العشوائي" من قبل الجيش والحشد الشعبي، فيقول "لم أكن أفكر قط في الهجرة. زرت كثيرا من دول العالم، وكان يمكن أن أستقر بإحداها، لكنني لم أفعل".
ويختم "في العراق، أنا مهندس ورئيس قسم ولدي مكانة اجتماعية. لكن حالياً من المستحيل أن أرجع. البلد يسير من سيء إلى أسوأ".
*الصورة: طفل سوري لاجئ في منطقة إندومني الحدودية بمقدونيا/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659