بقلم علي قيس:

يشكل الصراع بين مكونات المجتمع العراقي عامل قلق بالغ بين مواطني البلاد التي اكتوت بنار الحرب الأهلية سنوات طويلة. ومن هنا كانت المصالحة الوطنية فكرة ضرورية ومشروعاً ملحاً للخروج من الأزمات السياسية والأمنية والمجتمعية، لكن مؤشرات كثيرة تجمع على أن المشروع الذي أطلق في العام 2007 كمحاولة لوقف الحرب الأهلية، واجه الفشل بسبب "ضيق الأفق السياسي وفساد المؤسسات الحكومية والحزبية" التي كانت مسؤولة عن تنفيذه.

17 مليار دينار عراقي (15 مليون دولار) خصصت سنوياً على مدى أربع سنوات بدءاً من عام 2011، لمشروع المصالحة الوطنية الذي أطلقه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في ذلك العام، من أجل ضم الفصائل المسلحة إلى العملية السياسية.

"لم يكن مشروع المصالحة الوطنية موفقاً"، يبدأ رئيس مجلس عشائر الأنبار الشيخ رافع الفهداوي حديثه لموقع (إرفع صوتك) حول المشروع، مضيفاً "الأموال التي رصدت والمخصصات ذهبت أدراج الرياح، والجهات التي كانت تقف وراءها كان هدفها الكسب المالي والانتخابي، لم يكن المشروع موفقاً ولم يأت بأي ثمار".

ويشير الفهداوي إلى أن "السبيل الحقيقي للمصالحة الوطنية هو عندما يخرج الأبرياء من السجون ويعوضون عما لحق بهم من أذى بسبب سجنهم ظلما، وعندما يعوض المواطنون الذين تضرروا من الإرهاب سواء بأنفسهم أو بأموالهم".

مسؤولية الدولة أولاً

"الإصلاح الحكومي جزء مهم المصالحة"، يؤكد رئيس مجلس عشائر الأنبار، مشيراً إلى أن "أكثر مشاكل البلد بسبب الكتل البرلمانية، التي تبحث عن مصالحها على حساب الشعب، وبالتالي أصبحت هي في واد والشعب في وادٍ آخر".

ويواصل "كما يجب معالجة ملفات الفساد، فليس من المعقول أن الناس يموتون جوعاً فيما هناك أموال ضخمة في جيوب الفاسدين".

ولفت الفهداوي إلى أن "جزءاً كبيراً من ما شهده العراق بعد 2003 تتحمله دول الجوار والولايات المتحدة، بسبب تدخلاتهم على أساس مصالحهم"، ويتابع "لذلك ينبغي عليهم دعم العراق في إعادة ترميم مجتمعه".

ويختتم الفهداوي حديثه محذراً من "وضع أكثر سوءاً". ويقول "المجتمع مستعد للتعاون مع الحكومة، لكن الجزء الكبير من المصالحة يقع على عاتق الدولة، ينبغي أن تعزز الهوية العراقية وتلغى الهويات الصغيرة الطائفية والعنصرية، وإلا تبقى الأمور متشنجة، والوضع سيكون نحو الأسوأ من جميع النواحي".

المصالحة مع الجميع عدا... البعث والقاعدة

"انطلق مشروع المصالحة بالانفتاح على الفصائل المسلحة ونجح في ضم أهمها إلى العملية السياسية"، يقول وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية السابق عامر الخزاعي، مضيفاً في حديث لموقع (إرفع صوتك) "أبرز تلك الفصائل كتائب ثورة العشرين وحركتا (جامع) و(حماس العراق) و (الجيش الإسلامي) و (أنصار السنة) و (الهيئة الشرعية) وأعداد كبيرة من اللجان الشعبية والجبهات الشعبية ومقاتلين من طوائف وقوميات مختلفة"، مستدركاً "استثنيت فئتان من المصالحة هما القاعدة وحزب البعث".

وتشكلت وزارة الدولة لشؤون المصالحة الوطنية، في 14 شباط/فبراير عام 2011.

وأوضح الخزاعي أن  تخصيصات الوزارة كانت 17 مليار دينار سنوياً، منها 15 مليار دينار مرتبات للمتعاقدين والموظفين في الوزارة وملياران للمؤتمرات والملتقيات وهدايا لمن يسلم سلاحه، إضافة إلى الأسلحة التي تم شراؤها من المنضوين إلى مشروع المصالحة".

وحول موضوع السجناء الذين أطلق سراحهم لعدم ثبوت التهم، قال وزير المصالحة "كان هناك اتفاق مع مجلس القضاء الأعلى بأن من عليه تهم "أربعة إرهاب" (الوصف الشعبي المتداول للمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب العراقي)، وبدون دليل قطعي ولا يوجد بذمته حق شخصي ينضم إلى مشروع المصالحة"، مشيراً إلى أنّه "فعلاً انضم نحو 200 شخص عليهم مذكرات "أربعة إرهاب"، لكنها جمدت بسبب عدم وجود حق شخصي بذمتهم".

"مرحلة ما بعد داعش تحتاج إلى نمط جديد بالمصالحة"، ينهي الخزاعي حديثه موضحاً "هذا النمط يعتمد على إعادة الثقة بين العراقيين وتعويض الضحايا من جميع الأطراف، وعملية إعادة الثقة تحتاج لجهود سياسية كبيرة وإخلاص من قبل السياسيين".

وكانت قيادات شيعية وسنية عراقية وقعت في مكة العام 2006 على وثيقة تهدف إلى تحريم الدم العراقي، ووقف الاقتتال الطائفي الذي يذهب ضحيته عشرات العراقيين يومياً، ضمن مرحلة وصفت بأنها الأولى على سبيل تحقيق المصالحة الوطنية.

كما عقد في بغداد لاحقاً مؤتمر للعشائر ومؤسسات المجتمع المدني، ضمن إطار المصالحة الوطنية ذاته، لكن هناك من رأى أن تلك المؤتمرات لم تنعكس إيجابياً على الشارع العراقي و"لم تغير من الوضع السيء فيه جراء الخلافات السياسية بين الكتل والأحزاب التي باتت تطفو على الساحة بطريقة تهدد معها كل الطروحات".

وما عجز عنه العراقيون حكومة وأحزاباً، حققته خطة برعاية الولايات المتحدة، وبدأت المصالحة الوطنية فعلياً في العام 2007 مع "مجالس الصحوات" في المناطق الخاضعة لنفوذ المجموعات الإرهابية، لكنها انتكست مجدداً في نهاية العام 2011 ومع رحيل الأميركيين عن البلاد، وبداية ما اعتبر استهدافاً واسعاً للقيادات السنية من قبل الحكومة المركزية ببغداد.

*الصورة: عناصر مسلحة من عشائر الأنبار/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".