السليمانية - بقلم متين أمين:
يرى الباحث الكُردي في شؤون الإسلام السياسي، سوران محمود سليم، المعروف بـ"سوران سيوَكاني"، أن تقليل خطر الإرهاب أمر ممكن لكن شديد الصعوبة، مشدداً على ضرورة تنقيح التراث الإسلامي وتشجيع الاعتدال في الدين.
وتحدث سيوَكاني، الذي يسكن في مدينة السليمانية في إقليم كُردستان العراق، لموقع (إرفع صوتك) عن التطرف بشكل عام وفي إقليم كردستان تحديداً وجذوره التاريخية وما تحتاجه المنطقة للتخلص من التطرف الديني وكيفية استغلال الجماعات المتطرفة والإرهابية للإسلام لتنفيذ أجنداتهم.
داعش والموروث الديني
يقول سيوَكاني إن تنظيم داعش أزال الستار عن "خبايا كبيرة في حياة الأمة الإسلامية"، مضيفاً " داعش ليس بدعاً من التاريخ بل هو مرآة تعكس جانبا كبيراً من الموروث والتاريخ الإسلاميين".
ويردف سيوَكاني "بالنسبة للإقليم، الحرب ضد داعش كشفت أيضاً عن مكامن وخفايا كبيرة في كردستان. في الظاهر، التطرف اختفى عن الأنظار في الإقليم، لكن يمكن القول إنه لبس القناع المدني بشكل لا يمكن أن يتعرف عليه أي شخص إلا المحققون في التطرف. فالتطرف الإسلامي يتفنن في التنكر، تحت عباءة التمدن والديموقراطية أحيانا بل وفي بعض الأحيان يتنكر تحت عباءة حقوق الشعب ومحاربة الفساد".
ويستبعد سيوَكاني أن تجفف مصادر الإرهاب، ويضيف "من الممكن التقليل من خطر الإرهاب، أما تجفيف منابعه فمن المستحيل أن يحدث ذلك، لأن الإرهاب أصلا يتغذى على الموروث الديني الذي يمتد عمره إلى 1400 عام أو على الأقل يتغذى على ثقافة الإسلام السياسي منذ حسن البنا وإلى اليوم، ويتغذى من التاريخ الوهابي في شبه الجزيرة العربية والمذابح التي اقترفوها هناك".
تنقيح التراث الإسلامي
ويوضح سوَكاني "إذا أردنا أن نجفف منابع الإرهاب فعلينا أن ننقح التراث الإسلامي من كل ما يتعلق به من مصادر تغذي الإرهاب، وهذا يبدو مستحيلاً".
ويضيف "أمّا ما يقال عن أن تحسين الحالة المعيشية يجفف منابع الإرهاب فهذا أيضا غير صحيح. إذ أننا نرى أن الكثير من الإرهابيين يأتون من السعودية المترفة نوعاً ما ومن أوروبا. أما بالنسبة لإقليم كردستان، فمن الممكن التقليل من خطر الإرهاب عن طريق تبني الإسلام التقليدي الوسطي، ونشر ثقافة اللاعنف في المجتمع".
تحريم حمل السلاح ضد الدولة
ويشير الباحث الكردي إلى حالة مهمة في الشريعة الإسلامية ويدعو إلى أن تؤخذ بنظر الاعتبار، ويسلط الضوء عليها، قائلاً "هناك حالة مهمة لم ينتبه لها الكثيرون، وهي أن الشريعة الإسلامية تحرم حمل السلاح ضد الدولة ما دام رئيس الدولة يعتبر مسلما، فالخروج عليه وحمل السلاح ضده يعتبر حراما. هنا نقطة مهمة من الممكن أن تستفيد منها الحكومة، لكن المشكلة تكمن في أن السلفية الجهادية والإسلام السياسي تربوا على تكفير الحكام وولاة الأمور، حتى ولاة الأمور في دولة مثل السعودية التي تطبق الشريعة بحذافيرها يعتبر عندهم خارجا عن الإسلام لأنها تتحالف مع الكُفار! مثل أميركا!".
التمييز بين الدين ومدلولاته التاريخية
ويرى الباحث في شؤون الإسلام السياسي أن القضاء على الإرهاب والتطرف يكون ممكناً "عندما يصل المسلمون درجة من الوعي يفرّقون من خلاله بين الدين وبين مدلولاته التاريخية". ويؤكد "يجب أن يقتنع المسلمون بأن الدين عبارة عن علاقة بين العبد والرب. وأن النصوص الدينية نصوص زمنية قابلة للتطوير والتغيير. وأن الأصل في الدين هو خدمة الإنسان وليس خدمة الله. فالله مطلق لا يحتاج إلى خدمة. والإنسان هو الذي بحاجة إلى أن يُخدم وليس الله أو الشخوص الدينية أو النصوص الدينية".
ويُشدد سيوَكاني على أن غالبية المجتمع الكُردي لا يرغبون في السلفية الجهادية. ويُبين "من حسن الحظ المجتمع الكُردي عموما غير راغب في الفكر السلفي الجهادي، على الرغم من أنه يميلُ بشكل عام نحو التدين، إلا أنه تدين معتدل في مجتمع تقليدي خاصة في أطراف المدن والمناطق الشعبية، لكن هذه الحقيقة لا تعطينا صك الأمان، لذلك أرى أنه من أهم مهمات حكومة الإقليم أن تضع تصورا ومناهج وبرامج لتقليل خطر التطرف".
استغلال الدين
ويَسلط الباحث الضوء على استغلال الدين من قبل الجماعات الإسلامية. معتبراً أن استغلال الدين ليس وليد اليوم ولا الأمس، بل هي ظاهرة تاريخية بعمر الإنسان، "لذلك لا عجب أن نرى كل الحكومات المستبدة تستغل الدين وكذلك الجماعات التي جعلت من نفسها ناطقة باسم الله".
ويشير إلى أن الفرضية الخاطئة التي تعتمد عليها كل هذه الجماعات هي أن "الدين في خطر وأن كل الحكومات إنما هي حكومات عميلة تحارب الله ورسوله ودينه، وأنها هي (أي الجماعات المتطرفة) الوحيدة التي تحارب نيابة عن الله والرسول".
"هذه العقلية الدونكيشوتية إن صح التعبير هي ما أهداها لنا الإسلام السياسي. فالله في نظرهم كائن ضعيف يحتاج إلى من يدافع عنه وهم حماة الله ورسوله ودينه. هذا ما نادى به حسن البنا وسيد قطب والمودودي وآخرون"، يقول الباحث.
تعريف التطرف الديني كما هو
ويرى سيوَكاني أن إقليم كردستان بحاجة إلى تعريف التطرف الديني كما هو. ويردف "إقليم كردستان بحاجة إلى تقوية المؤسسات المدنية وإلى ضمان الحريات الدينية والسياسية. والأهم من ذلك بحاجة إلى تعريف التطرف الديني كما هو، بلا مجاملة ولا خوف".
ويتابع "إن أحد المصادر التي يتغذى منه التطرف هي القدسية التي تُمنح لمن يُمسح بممسوح الدين ولو كان ذئبا، مثل الخطباء المتطرفين والقنوات المتطرفة. ومع هذا، نحن بحاجة إلى دعم التيار المعتدل الديني. لا أقصد الذي يسمي نفسه بالإسلام الوسطي داخل الإسلام السياسي، بل المؤسسات الدينية الرسمية والعلماء الذين لم تصلهم أيدي التطرف والإسلام السياسي بشتى أجنحته".
*الصورة: الباحث الكُردي في شؤون الإسلام السياسي سوران محمود سليم/تنشر بإذن خاص لموقع إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659