الجزائر - بقلم أميل عمراوي:

صَاحبَ الانفتاح السياسي والإعلامي الذي عرفته الجزائر إثر ثورة الشباب على السلطة في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1988، انفلات المساجد من رقابة الوصاية. وشهدت البلاد إثر ذلك صعود عدد من المتطرفين إلى المنابر، ينشرون من خلالها أفكارهم ضمن قالب خطابي متشنج، ما ساهم بعدها في تصدع الوضع بالجزائر، أو ما أضحى يعرف بالعشرية السوداء (1992-2002).

مرسوم جديد

بعد انتهاء تلك الفترة في الجزائر، استمرت الضغوط التي يمارسها بعض المتطرفين على مسيّري المساجد، ما دفع السلطات بالجزائر نهاية سنة 2013 إلى إصدار مرسوم تنفيذي يحدد مهام المسجد داخل المجتمع حمايةً للإمام والمواطنين.

وحدّد المرسوم العلاقة بين الإمام والمصلين، كما أطّر عمليات جمع التبرعات التي ربطت بتصريح من الوزارة كقيد رسمي يضمن سيرها في الاتجاه الصحيح.

وشدد المرسوم على ضرورة إخضاع جمع التبرعات داخل المسجد للترخيص الإداري، ويكون الإمام مسؤولاً عن عملية جمع التبرعات داخل المسجد، ويمسك سجلا خاصا يقيد فيه نتائج هذه العملية.

كما توجد في الجزائر لجان مختصة بتسيير أمور المساجد وهي لجان أهلية مدنية من أبناء الحي حيث موق المسجد. وتعمل هذه اللجان تحت إمرة الإمام للمساعدة في أعمال الصيانة والتبرعات وكذلك الحرص على المصلين.

وللحديث عن جهود إعادة تنظيم سير المساجد بالجزائر، التقى موقع (إرفع صوتك) مجموعة من المواطنين، من مصلين وأعضاء بلجان تسيير بعض المساجد بالعاصمة، حيث أصر الجميع على صعوبة المهمة بالنظر إلى محاولات التدخل والضغط الذي يمارسه بعض المتطرفين عليهم بل وحتى على الإمام.

لا مكان للسياسة بالمسجد

العم محمد، 72 عاماً، يقول إنه متأكد أن هناك بعض الأشخاص يتربصون بالإمام ليرتكب خطأ واحدا ليصعدوا من اتهاماتهم له بالسطحية وصد الناس والمصلين عن الإسلام الذي يرونه هم صحيحا.

يقول عضو لجنة تسيير مسجد ابن الخطاب بأولادفايت غربي العاصمة لموقع (إرفع صوتك) "لقد تجاوزت السبعين من عمري وأنا جد مرهق، لكني لم أستطع ترك مهمتي بالمسجد مخافة أن أدعه في أيدي المتطرفين. صحيح أنني لست متعلما بالقدر الذي يجعلني ألقن الناس دينهم، لكني أعرف جيدا ما يجب أن يضطلع به المسجد وأنا أحرص على ألا يتعدى دور المسجد تلقين الناس دينهم. أرفض السياسة والمسجد ليس مكانا لها".

من يرفض تقنين جمع التبرعات ؟

بموجب مرسوم 2013، تم تكليف المساجد، في إطار الوظيفة التوجيهية التي تمارسها بالمساهمة في تعزيز الوحدة الدينية والوطنية عن طريق دروس الوعظ والإرشاد، وحماية المجتمع من أفكار التطرف والتعصب والغلو، وترسيخ قيم التسامح والتضامن في المجتمع وتثبيتها في إطار الوظيفة التوجيهية التي تضطلع بها.

وأثار المرسوم اعتراضات من قبل بعض المتشددين الذين يريدون صلاحيات أوسع في السيطرة على المساجد.

ويقول سليم مشرارة، وهو مواطن يصلي بمسجد ابن الخطاب، أن مرحلة الإرهاب علّمت الجزائريين كيفية وضع الأمور في نصابها وعدم الخلط بين السياسة والدين.

وقال سليم في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "لا أعلم لماذا لا يروق للبعض تقنين عملية جمع التبرعات؟ في الماضي كنا نقدم التبرعات بنية بناء المسجد، وفي بعض الأحيان لمساعدة أهالينا في العراق وفلسطين. أتذكر أننا كنا نقدم التبرعات إثر خطبة الجمعة دون أن نعلم الهيئة التي تقوم على الجمع، وتبين بعد ذلك أن قدرا كبيرا من تبرعاتنا و تبرعات الجزائريين عبر مساجد الجمهورية كانت تذهب لشراء أسلحة قتل بها إخواننا فيما بعد".

لجان التسيير والمتطرفون... الصراع

ويذهب الطاهر حميدي، خمسيني يرتاد مسجد الرحمة بالعاصمة الجزائر، إلى أن أولئك الذين يرفضون تقنين سير المساجد هم من المتطرفين المستفيدين من انفلات المساجد فيما مضى وهم من هذه الزاوية إرهابيون فكريا.

ويقول الرجل لموقع (إرفع صوتك) "أنا أصلي المواعيد الخمس بالمسجد وأنا مرتاح لطريقة التسيير التي وضعتها الحكومة درءا لتدخل بعض المتطرفين الرافضين لتولي الإمام وحده الخطب والتلقين الديني للمصلين لأنهم بذلك لن يستطيعوا حث الناس والشباب على وجه الخصوص من الخروج على القانون بحجة إسلام لا أدري من أين يأتون به".

وسطية الإسلام

من جهته، يروي جربال نسيم لموقع (إرفع صوتك) يومياته في مواجهة بعض المتطرفين بحكم أنه عضو في لجنة تسيير مصلى الإمام مالك بمدينة فوكة غربي العاصمة. ويقول إنه أضحى مجندا طوال أيام الأسبوع في صد محاولات بعض الشباب "الانقلاب" على الإمام بانتقاده ليلا نهارا ومحاولة خلق لجنة موازية لتلك المعتمدة قصد التدخل في سير المصلى.

"ليس بالأمر السهل أن تتولى مهمة الدفاع عن وسطية الإسلام، أنا متخرج من كلية الحقوق وليس لي دراية دقيقة بأمور الدين لكنني متيقن أنني على الطريق الصحيح ما دمت أدافع عن مبادئ التسامح وترك الذي لا يعنيني للذي يعنيه".

ويتابع الرجل قائلاً "لا أدري لماذا لا يعجبهم أي شيء... لا الخطب ولا شكل الصلاة. تجدهم ينتقدون الإمام إذا ما أطال في الصلاة ويفعلون ذات الشيء إذا قصّر، إنه دليل على أن وراءهم شيئا آخر غير الذي يعلنون".

*الصورة: "لا أعلم لماذا لا يروق للبعض تقنين عملية جمع التبرعات"/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".