بقلم خالد الغالي:
عندما أقدم تنظيم داعش على إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، في شباط/فبراير 2015، ختم الشريط الذي صور عملية الإحراق بالعبارة التالية: "فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع".
العبارة منسوبة لـ"شيخ الإسلام" تقي الدين ابن تيمية، أهم المراجع الفكرية للتيارات السلفية. وأوردها داعش كسند شرعي للعمل الذي أقدم عليه.
رغم ذلك، قوبلت عملية الإحراق بانتقادات واسعة من قبل علماء كثيرين وهيئات دينية رسمية مثل جامع الأزهر في مصر وهيئة كبار العلماء في السعودية.
موضوعات متعلقة:
مفكر إسلامي يتحدّى داعش: ليأتوا للنقاش!
الأيزيديون في العراق: طائفية ما قبل داعش؟
واستندت أغلب الردود على داعش على أحاديث نبوية تحرّم إحراق الأشخاص، من بينها الحديث المعروف في صحيح البخاري عن الصحابي أبي هريرة. وورد فيه "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال “إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج “إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما“.
https://twitter.com/salman_alodah/status/562709858542428161حرب التفسيرات
أمام موجة الردود الفقهية المنتقدة، خرج داعش للدفاع عن نفسه. وتناقل مؤيدوه على مواقع الإنترنت فتوى منسوبة إلى "هيئة البحوث والإفتاء" في التنظيم، تعتبر أن قول النبي "النار لا يعذب بها إلا الله" محمول على "التواضع"، وليس دليلا على التحريم.
استدل داعش في فتواه أيضا بالقول "ذهب الأحناف والشافعية إلى جواز التحريق مطلقا". وهو ما رفضه علماء سلفيون من بينهم الأردني مشهور بن حسن الذي اتهم داعش بالخلط والتضليل، ورد قائلا إن التحريق المذكور عند الشافعية والحنفية يعني "المعتصمين في بيوتهم وحصونهم، فلا نقدر على إخراجهم منها إلا بأن نحرق بيوتهم فيهربون ثم يقع القتال"، وليس الأسرى.
وأوردت فتوى داعش كلاما نسبته إلى الحافظ ابن حجر العسقلاني يقول فيه "يدل على جواز التحريق فعل الصحابة. وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين (أناس من قبيلة عرينة) بالحديد المحمي، وحرق خالد بن الوليد ناسا من أهل الردة".
في الواقع هذا القول ليس للحافظ ابن حجر، بل أورده في كتابه "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" نقلا عن المهلب بن أبي صفرة الذي ذهب إلى جواز التحريق، وأول الحديث الذي رواه أبو هريرة على أنه من باب التواضع وليس تحريما.
أما ابن حجر فعلق بعد إيراده لكلام المهلب، مؤكدا بأن عودة النبي عن أمره بالتحريق يفهم منها التحريم. يقول ابن حجر "ظاهر النهي فيه (أي الحديث) التحريم وهو نسخ لأمره المتقدم سواء كان بوحي إليه أو باجتهاد منه".
روايات كاذبة
علاوة على الفتوى الصادرة عن لجنة البحوث والإفتاء بداعش، برر مؤيدو التنظيم إحراق الطيار الأردني بوجود سوابق في التاريخ الإسلامي أقدم عليها عدد من الصحابة، من بينهم أبو بكر الصديق وخالد بن الوليد.
وتورد كتب التراث الإسلامي خبر قيام الخليفة أبي بكر بإحراق رجل يدعى الفجاءة السلمي (واسمه إياس بن عبد ياليل)، جاء إلى الخليفة مدعيا الإسلام وطالبا مددا عسكريا، قبل أن يقوم باستغلال ما تم تقديمه له في قتل وسلب القبائل التي يمر بها جيشه.
لكن دار الإفتاء المصرية ردت بالقول إن القصة عارية من الصحة، واصفة أقوال داعش بـ"الدعاوى الباطلة".
https://www.facebook.com/InfedilizingFatwas/posts/1586770321538851وقالت دار الإفتاء "زعمٌ هؤلاء بأن الصحابي الجليل أبا بكر الصديق قد أحرق "الفجاءة السلمي" حيًّا غير صحيح وساقط باطل لا سند له، لأن رواية إحراق سيدنا أبي بكر الصديق للفجاءة رواية باطلة مدار سندها على علوان بن داود البجلي وهو رجل مطعون في روايته".
كما نفت الدار أيضا قيام الصحابي خالد بن الوليد بحرق رأس مالك بن نويرة الذي ارتد عن الإسلام، وقاتل الجيش الإسلامي.
تقول الإفتاء "اتهام الصحابي خالد بن الوليد بحرق رأس مالك بن نويرة رواية باطلة في سندها محمد بن حميد الرازي، وهو كذاب".
وأوردت دار الإفتاء أقوال الفقهاء والمحدثين السابقين في كل من علوان بن داود البجلي ومحمد بن حميد الرازي الذين تنسب إليهما الروايتان السابقتان.
*الصورة: الطيار الأردني معاذ الكساسبة في قبضة تنظيم داعش/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659