الجزائر - بقلم أميل عمراوي:
"إذا جُنّ قومك لن ينفعك عقلك"، بهذه العبارة بدأ الشيخ محمد بن مبروك حديثه لموقع (إرفع صوتك)، ليروي معاناته في مواجهة المتطرفين أيام "سطوهم على منابر الجمهورية"، في إشارة له إلى مرحلة الإرهاب التي مرت بها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي.
الشيخ بن مبروك إمام بأحد مساجد غرب الجزائر، 57 عاماً، معروف بانتصاره للإسلام المعتدل ونبذه لمحاولات تسييس المساجد لنهايات سياسية ضيقة، ارتأى الحديث إلينا لكن باسم مستعار مخافة أن يلحق به أو بعائلته أي ضرر.
ويقول هذا الخطيب إنه تجرع المر أيام كان الجميع يهلل لتلك الفئة الضالّة ولم يكن بمقدوره مواجهتهم إلاّ بدعوة الشباب إلى العودة لأحضان الوطن رغم المشاكل التي يتخبط فيها.
كنت أترقب موتي
"خلال مرحلة الإرهاب التي عرفت صعود التيار التكفيري بالجزائر، كنت أنا من الأئمة الشباب الذين تصدوا لأفكار التطرف التي كان "الجُهّال" من المنتسبين إلى التيار الإسلامي ينشرونها في أوساط الشباب، ولم يكن منهم إلا أن سجلوا اسمي على قائمة المنبوذين من أئمة البلاط كما كانوا ينعتوننا نحن الذين رفضنا مشروعهم السياسي البعيد عن مبادئ الدين الإسلامي الحنيف".
موضوعات متعلقة:
عراقيون: الأحزاب الدينية هي السبب
حلول لاحتواء التطرف الديني في اليمن
ويقول الرجل إنه كان يترقب موته كل حين، حيث تعرض لعدة مضايقات بسبب رفضه الانسياق وراء تسييس المساجد بل وتلقى رسائل تهديد بالموت إذا رفض ترك المنبر لشخص آخر أيّام الجمعة.
"في أحد الأيام وأنا أخرج لصلاة الفجر، اعترضني شخص وقدم لي رسالة كان فحواها العام أن أعود إلى سبيل الرشاد وأترك الدعاة الحقيقيين في نظرهم لاعتلاء المنبر وإلا دفعت الثمن باهظا، ولهذا السبب رفضت الزواج آنذاك حتى لا أيتم أبنائي ولا أتسبب في ترميل أي بنت".
أيها الطاغوت!
ويكشف الإمام أن بعض المصلين كانوا ينصحونه بعدم مواجهة المتطرفين علنا لأن ذلك قد يتسبب له بالأذى بل بالموت ويقول إن إحدى خطبه أثارت غضب بعض مرتادي المسجد الذي كان يخطب فيه، حيث تحدث فيها عن قتل النفس التي حرم الله وضرب مثالا عن العمليات الإرهابية التي وقعت بالبليدة تلك الأيام حيث قُتل ذبحاً ما لا يقل عن 13 مواطن في حاجز أمني مزيف، كما يؤكد.
"كانت تلك بداية معاناتي معهم. لم تتوقف رسائل التهديد بالموت وكنت أسمع نداءات: أيها الطاغوت، يا إمام البلاط، يا أعوان الظلمة، لقد كانت فعلا مرحلة عصيبة في حياتي، أدعو الله ألا تتكرر وألا يعيشها الجيل الجديد".
وبعين المستبصر بأمور الدين وبحاجات المجتمع الحقيقية، يقول ذات المتحدث إنه كان يقتفي أثر الصالحين في مواجهة أفكار المتطرفين، وذلك بمحاولة صرف نظر الشباب والمراهقين عنهم بإشراكهم في نشاطات علمية ومسابقات. "وهو ما زاد من حدة كرههم لي"، يقول الإمام.
"حاولت جهدي أن أصرف الشباب خصوصا طلاب الثانويات عنهم بإنشاء جمعية خيرية لمساعدتهم على تخطي مشاكل التسرب المدرسي نظرا للعمليات الإرهابية المتكررة، ولقد تمكنت فعلا بإعانة من البلدية التي كنت أنشط بها من توفير الدعم الدراسي لبعض مرشحي الباكالوريا والذين هم الآن إطارات بالدولة وأنا جد مرتاح لذلك، أعتقد أن ذلك ساهم في نجاحهم وهو ما يقوله لي البعض منهم اليوم، أحمد الله على ذلك".
ويتذكر الشيخ بن مبروك كيف تلقى خبر مقتل الشيخ بو سليماني (1943- 1993) الذي كان مثله الأعلى في الاعتدال والوسطية. ويقول والدموع تنهمر على خده "كنت شبه متأكد أنني سألقى ذات المصير لولا كذّبني قدر الله".
لن أحيد
ويؤكد الشيخ قائلاً "ربما لا يعلم الكثير أن الشيخ بو سليماني اختطف من طرف الجماعة الإسلامية المسلحة في شتاء سنة 1993 ثم قُتل لرفضه إصدار بيان يُفتي فيه بجواز قتل المخالفين لهم ويبارك العمليات الإرهابية. لقد كان وقع الخبر علي كالصاعقة لما للرجل من أعمال خيرية بالبليدة وسائر الوطن ضمن جمعية الإصلاح والإرشاد التي كان يرأسها. لقد مزقوا جلده وعذبوه قبل أن يقتلوه ولم يهادن في الحق أيا كان. إنه مثلي الأعلى وهو ما جعلني أقرر ألا أحيد عن الوسطية والاعتدال مهما حصل لي".
وتشير إحصاءات إلى أن زهاء 99 إماماً اغتيلوا خلال مرحلة الإرهاب التي عرفتها الجزائر، وكان أغلبهم ممن رفضوا تسليم منابرهم للداعين للقتل والتكفيريين من الإسلاميين والرافضين لتسييس المساجد.
*الصورة: تعرض لعدة مضايقات بسبب رفضه الانسياق وراء تسييس المساجد/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659