بقلم هديل بوقريص:

اليوم أصبح التعامل مع الكثير من المصطلحات واقعاً يجب أن نعيشه، بتنا نجدها في الصحف الإلكترونية، مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في الندوات المعنية والمختصة في مجالها وكذلك العمل التطوعي.

"حقوق الإنسان"، واحدٌ من المصطلحات التي تلاحقنا أينما ذهبنا، في أعلى المجتمعات ممارسة إلى أدناها تعاملاً. لكن البعض يمر عليه من باب الفضول ويتركه. والبعض الآخر يتجاهله. ومنهم من يود لو أنه يتمكن من الإمساك بتلك الأطراف المبعثرة ليجمعها لكنه يخشى أن يضع القطعة الأخيرة مكان القطعة الأولى، مردداً سؤال: من أين أبدأ؟ وهل أنا على الطريق الصحيح؟

تعريف حقوق الإنسان ليس ثابتاً، بالشكل الجامد لفظياً. فهو قد يتغير مع تغير الجغرافية وحاجات الفرد ومدى حرمانه منها وأيضاً مدى توفرها وتحقيقها على أرض الواقع. لذلك كل هذه التعاريف هي مقبولة وواردة. وعند سؤال أي شخص عنها، ستجد هذه القواسم المشتركة دائماً. فحقوق الإنسان هي "المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس من دونها، أن يعيشوا بكرامة كبشر وهي أساس الحرية والعدل والسلام و من شأنها احترامها وإتاحة فرصة تنمية الفرد والمجتمع تنمية كاملة".

موضوعات متعلقة:

كيف ظهر التطرف في الجزائر؟

إسقاط الجنسية ليس حلاً للأزمة البحرينية

بدايةً، دعني أخبرك أنه لا يوجد طريق خاطئ في حقوق الإنسان. بل إن كل الطرق تقود إليه لو إننا أردنا التمسك بالجوهر الحقيقي له. نعم هناك سلع مقلدة في كل مكان وفي كل مجال وقد تكون مخادعة، وهنا يمكنك الاعتماد على "وعيك وإدراكك للأمور" المحيطة بك، واضعاً في الحسبان عدة عناصر لإتمام الصورة المثالية المنشودة (جغرافية المكان – البيئة المحيطة – الزمن –  الانتهاكات ونوعها – الخصم – الضحية أو الناجي من الانتهاك – إمكانياتك وأدواتك).

لماذا قد تحتاج إلى كل هذا لتعرف الطريق الصحيح؟

لأن كل هذه العناصر هي التي تكوّن الحالة، تحدد ملامحها وتصنفها، تصقل وعيك وإدراكك، تضيف إليك خبرة جديدة. ولأن العمل في هذا المجال أو حتى الاطلاع عليه دون الدخول في ميدانه هو تراكمي. لذا يحتاج منك إلى صبر وانتظار طويل قد يمتد إلى سنوات حتى تستطيع أن تمسك بالنتيجة النهائية بين يديك، أو ربما لن تكون هناك أي نتائج على الإطلاق. ولا أعني بهذه العبارة أن أزرع اليأس في صدرك، مطلقا! بل لأنني أرغب بكسب عضو جديد ينضم إلى معركتنا السلمية الطويلة الأمد ليقف معنا، ليعرف منذ البداية ما الذي نفعله؟ وما الذي قد نواجه؟ لأننا نحتاج اليوم إلى كل صوت مؤمن بحقوق الإنسان يصدح هنا وهناك ليتحدث نيابة عن الضحية أو الناجي من الانتهاك، الذين يعتمدون بشكل كبير علينا وعلى عملنا، ليواجه الخصم مطالباً بإقرار العدالة بأسلوبه الخاص ونبرة صوته التي يختارها. فلا شيء ملزم ولا حدود لاستخدام كل هذه الأدوات السلمية. بل كلما كنت مبدعا ً، كلما اقتربت من رفع صوتك أكثر فأكثر محافظاً على أمانك الشخصي دون تعريض نفسك والآخرين للخطر.

وهذه خطوتنا الأولى وعندها فقط تقرر: هل أكمل في مجال حقوق الإنسان، أم أكتفي بالتأمل من بعيد؟ هل هذه مهمة شاقة جداً؟ أم إنها سهلة لو تكاتفنا وعملنا معاً جنباً إلى جنب؟

هي أسئلة مشروعة ومن حق كل شخص يهّم بالانضمام إلى مجموعة لا يعرفها أو أصدقاء جدد. ولولا أننا نود أن نكسب المزيد من الأصدقاء الذين سيكونون في البداية حلفاء وداعمين لما حملت على عاتقي ترك كل هذا الأثر خلف كلماتي لتتبع بقية الخطوات التي سأتناولها في المقالات القادمة.

عن الكاتبة: هديل بدر بوقريص، ناشطة في حقوق الإنسان وكاتبة كويتية. حازت على عدد من الجوائز في مجالي حقوق الإنسان والأدب. لها مدوّنة تهتم بشؤون حقوق الإنسان في منطقة الخليج.

لمتابعة الكاتبة على تويتر إضغط هنا. وعلى فيسبوك إضغط هنا.

 الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".