مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

مع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي واعتماد الكثير من الناس خاصّةً الشباب عليها في المعرفة بشكل عام والمعرفة الدينية بشكل خاص، واستقاء المعلومات منها، ومع تركيز التنظيمات المتطرفة على هذه الوسائل وإتقانها لدروبها واستخدامها في نشر أفكارهم وما يريدونه من معلومات، يعتقد كثيرون أن اعتماد المؤسسات الدينية الرسمية أو الوسطية على الخُطب الدينية في صلاة الجمعة من كل أسبوع أو في المناسبات كالأعياد لم يعد كافياً في مواجهة سيل الفتاوى الصادرة عن أتباع هذه التنظيمات المتطرفة ومعها الحركات الإسلامية الراديكالية وتفنيدها وتبيان ما بها من أخطاء استناداً إلى صحيح الدين.

مرصد الفتاوى التكفيرية

من هنا جاءت فكرة إطلاق مرصد الفتاوى التكفيرية عام 2014 من قبل دار الإفتاء المصرية. وبحسب أحمد رجب أبو العزم، رئيس وحدة الرصد والمتابعة بالمرصد، فإن إستراتيجية عمل المرصد تقوم على مواجهة الفكر بالفكر وآلية عمله تتمثل في رصد أقوال وأفعال الجماعات المتطرفة وتحليلها وبيان مدى مخالفتها لصحيح الدين الإسلامي.

يشير أبو العزم في حديث لموقع (إرفع صوتك) إلى أن مهمة العاملين بالمرصد لا تتوقف عند محاربة الأفكار المتطرفة بل تمتد للحيلولة دون انخداع الشباب بمثل هذه الأفكار والحد من انضمامهم للتنظيمات المتطرفة "التي توغلت في الدول وأقحمت الدين في تبرير أفعال عنف ممنهجة ضد الشعوب والأوطان".

موضوعات متعلقة:

“آية السيف”.. الآية التي قسمت العالم

كيف قرأ نصر حامد أبو زيد النصوص الدينية؟

وبما أن مصر ليست بمنأى عن هذه التيارات، فكان من الطبيعي التفكير في وجود كيان بحثي يرصد فتاوى هذه التنظيمات المتطرفة للرد عليها وبيان ضلالها، على حد تعبير أبو العزم، فكان إنشاء مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية.

ويعنى المرصد بتوضيح الحكم الشرعي للأمة في أمور الدين والدنيا، وقد أصبح بمثابة المرجعية لمن يريدون معرفة الصحيح من السقيم وبما يساعد الجمهور على تكوين وجهات نظر بشأن أفعال التنظيمات المتطرفة، كما يقول أبو العزم.

صدمة من الأعمال الإجرامية

وبحسب طارق أبو هشيمه رئيس وحدة التحليل الإستراتيجي بمرصد الفتاوى التكفيرية في حديث لموقع (إرفع صوتك)، فإن البعض في الداخل والخارج أصيب بالصدمة من الأفعال الإجرامية التي يقوم بها المتطرفون الذين يحاولون تقديم مبررات دينية لأفعالهم بما يساهم في إعطاء صورة سلبية عن الإسلام، وقد رصد المرصد من خلال فتاواه المترجمة لعدة لغات أجنبية خطأ منهج المتطرفين وتفكيرهم، وكذلك من خلال جولات علماء دار الإفتاء الخارجية لإزالة هذه الصورة السلبية واستبدالها بصورة إيجابية.

تكفير داعش

يعتبر هشيمة أن هذه الجهود حققت نجاحاً يمكن تلمس آثاره من خلال اعتماد حكومات ومنظمات غربية عدة على دار الإفتاء المصرية كمرجعية دينية للفكر الإسلامي الصحيح. ويشير إلى أنّه "ربما يكون هذا أحد الدوافع وراء رفض الأزهر الوقوع في فخ تكفير المنتمين للتنظيمات المتطرفة وانطلاقا من سماحة هذه المؤسسة الدينية العريقة ومنهجها الوسطي القائم على أن دعوته هي هداية الناس وليس الحكم عليهم وعلى عقيدتهم، وتأسيساً على موقف الإمام علي بن أبي طالب مع الخوارج الذي لم يكفرهم ورفض قتل أسيرهم أو الإجهاز على جريحهم على الرغم من خروجهم عليه وهو ذات الموقف الذي اتخذه الأزهر".

أهم الفتاوى

ويتابع أبو هشيمه متحدثا عن أهم فتاوى المتطرفين التي تصدى لها مرصد الفتاوى التكفيرية وأخطرها قضية الجهاد في الإسلام "التي تحاول التنظيمات المتطرفة تقديمه على أنه مرادف للإرهاب وهو الأمر الذي يمثل البوابة التي يدخل من خلالها الشباب إلى دائرة العنف والانخراط مع هذه التنظيمات المتطرفة".

وأشار المرصد في رده على الفتوى إلى أن "الادعاء بأن مفهوم الجهاد في الإسلام مقصور على الحرب والقتال فقط، هو ادعاء مخالف للحقيقة، وهذا الادعاء هو المطية التي يركبها المرجفون والمتطرفون في سوء فهمهم للإسلام، مع أن منهج الإسلام بعيد عن أفعالهم المنكرة وإفسادهم في الأرض الذين يريدون إلصاقه بالجهاد، والجهاد منه بريء".

ويشير أبو هشيمة إلى أن المرصد ردّ على فتاوى أخرى كمحاولة هذه التنظيمات اختزال المرأة على أنها أداة جنسية، فالمرأة تقدم كجوائز لمن أسموهم بالمجاهدين. بالإضافة إلى قضايا السبي والرق، والمناهج التعليمية التي تدرسها فصائل متطرفة مثل داعش وغيرها والتي تعتمد على التكفير والتفجير وليس التفكير. وأيضا فتاوى هذه التنظيمات التي تصف الدول العربية والإسلامية بالكفر بهدف ضرب استقرارها وغير ذلك من فتاوى قام المرصد بتحليلها والرد عليها ببيان ضلالها وتوضيح الرأي الصحيح فيها اعتماداً على الرأي الشرعي الثابت عن أهل العلم بهدف الذود عن الإسلام وبيان سماحته ووسطيته.

*الصورة: "الادعاء بأن مفهوم الجهاد في الإسلام مقصور على الحرب والقتال فقط، هو ادعاء مخالف للحقيقة"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

      

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".