الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

مع حلول شهر تموز/يوليو الجاري، تكون قد مرّت سنة كاملة على الأحداث المأساوية التي عرفتها محافظة غرداية شمال الصحراء الجزائرية، والتي رسّمت لنزاع طائفي لم يسمع به الجزائريون منذ استقلال بلادهم قبل أكثر من 50 سنة.

تعتبر ولاية غرداية، 600 كيلومتر جنوب العاصمة الجزائر، من أجمل محافظات الجزائر وهي باب الصحراء، معروفة بطيبة سكانها. كما أن غرداية معروفة كذلك بشكلها المعماري الفريد والذي أصبح جزءاً من شخصيتها التاريخية.

لم يكن لأي جزائري أن يتخيل أن تلك المدينة الساحرة يمكن أن تخفي صراعاً دفيناً يؤدي لقتل الأبرياء بداعي الانتصار للمذهبية، لكن غرداية عرفت أعنف المواجهات العرقية بين الميزابيين الإباضيين، وهم من الأمازيغ، والمالكيين وهم من العرب في عدة أحياء من المحافظة في تموز/يوليو سنة 2015، وهو ما استدعى تدخلا من قوى الأمن النظامية لفض النزاع وإجبار الجميع على قبول وساطة الحكومة.

موضوعات متعلقة:

تفنيد تفسير الإرهابيين لآيات القتال في القرآن

مسيحيون في العراق: يجب فصل الدين عن الدولة

وتسببت المواجهات في مقتل العشرات وجرح الكثير، كما تعرضت واجهات المحلات التجارية والأحياء السكنية آنذاك لعمليات نهب وحرق وهو ما وثقته الفيديوهات المتداولة على صفحات التواصل الاجتماعي و يوتيوب.

إهدارٌ للدّماء!

وفي حديثه لموقع (إرفع صوتك)، يتذكر ربيع حمود وهو صحافي ينحدر من غرداية، كيف كان يواجه الموت في طريقه من العاصمة لمسقط رأسه حيث كان يتربص له "العرب" لينقضوا عليه انتقاماً وغيضاً جراء الأحداث.

"أتذكر جيدا كيف كنت أرتعش لما أصل إلى المناطق التي تشهد سيطرة المالكيين، كنت على علم بأنهم لو رأوني لقتلوني... لم يكن الشباب ليفعلوا ما فعلوا لولا مباركة الشيوخ لهم".

ويلفت ربيع إلى أن الاختلاف بين المزابيين الذين ينتمي إليهم وبين المالكية لم يكن يوماً محل نزاع. وكل اختلاف كان يحتويه كبار العشائر دون أن يصل الحد للقتل".

"لا أدري كيف وصل بهم الأمر أن يعتبروا قتل الميزابي تقرباً إلى الله؟ لقد أهدروا دماءنا، لا يمكن أن أستوعب ذلك لقد مرت علينا أسوأ أيام حياتنا بغرداية".

وضع مكهرب

باكير مجدوب من الميزابيين الكثر الذين يشتغلون في بيع العقاقير بالعاصمة يقول لموقع (إرفع صوتك) إنه ما زال يتذكر تهديد بعض الشباب له بالقتل. و يعتقد أنهم يتربصون به إلى حين تأزم الأوضاع مجدداً لتنفيذ تهديداتهم.

"خلال الأحداث هاجمت مجموعة من الشباب منزلنا حيث طرق الباب وخرجت أنا لأفتح ولم أعي ما حصل لي حتى استيقظت بالمصحة، لقد ضربوني بشيء حديدي على رأسي واقتحموا المنزل. أي حقد يجعلك تفعل هذا بجزائري مثلك".

لماذا لا يتزوج الميزابي من العرب؟

وفيما يخصه، لا يعتبر محمد شكاط (المتبع للمذهب المالكي) أن ثمة اختلافا عميقا بين المذهبين المالكي والإباضي، بل لا يرى أن هناك اختلافاً عقائدياً بين الفرقتين أصلاً حيث أن المشكلة برأيه اجتماعية، لم يرد لها الحل طوال سنوات لتتراكم معها الضغائن والكراهية "وهو ما يمكن أن يستثمر فيه أي متربص لوحدة الوطن".

ويقول شكاط، العامل في ورشة للبناء بالعاصمة، لموقع (إرفع صوتك) "أقولها لك صراحة، لا أرى أي اختلاف بيننا نحن أتباع المذهب المالكي والإباضيين، الاختلاف الوحيد يكمن في الصور الاجتماعية. الميزابيون منغلقون على أنفسهم وهو ما يعرضهم لعدم الفهم من الطرف الآخر. لا أعتقد أن مذهبهم يمنعهم من الزواج منا مثلاً ومع ذلك هم يمتنعون. لماذا؟".

سليم ميجكون من عرب غرداية يعمل في ورشة تركيب الزجاج بالعاصمة، لا يؤمن هو الآخر بالنزاع المذهبي لكنه يؤكد أن الأمر عميق عمق العلاقات المتوترة بين العرب وبني ميزاب.

ويقول لموقع (إرفع صوتك) "الأمر جلل، لا يمكن السكوت عن الهوة التي تتزايد يوماً بعد يوم، لا تتحمل المنطقة مزيدا من الأرواح حتى يتحرك العقلاء. الحل لا يكمن في الاعتقالات، بل الحوار هو المخرج لنا جميعاً".

خلفيات.. صعوبة احتواء الوضع

وعن خلفيات النزاع، كشفت خولة نجادي أستاذة التاريخ بجامعة الجزائر أن الصراع يعود إلى أولى سنوات الاستقلال حين استقر العرب الرحل بغرداية  ظهرت في أطراف وادي ميزاب الذي يسكنه بنو ميزاب منذ قرابة 10 قرون أحياء عشوائية يقطنها المالكيون من العرب. وبمرور السنين، أصبح الميزابيون أكثر استقلالا عن العاصمة الجزائر خاصةً وأنهم طوروا نظاماً اجتماعياً واقتصادياً خاصاً بهم، وهو ما زاد من الهوة بين المجموعتين.

و يتساءل الناشط السياسي مصطفى معزوزي عن سر فشل الحكومات المتعاقبة في إخماد نار الفتنة. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "لا يمكن أن أتصور أن جميع الحكومات التي تعاقبت منذ الشرارة الأولى للأحداث سنة 2012 لم تستطع إيجاد أرضية توافق بين المجوعتين".

وحاولت الحكومة الجزائرية مراراً احتواء الوضع بإرسال عدد من الوزراء لبحث المسألة مع أعيان غرداية لكن كل المحاولات باءت بالفشل بمجرد التقاء مجموعات الشباب في ساحات "المعارك".

وفي 9 يوليو/تموز 2015، تعهد الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال بفرض الأمن في غرداية بالقوة، وقال مخاطباً أعيان الولاية "من غير المقبول أن يقتل الجزائري أخاه الجزائري في الوطن"، وطلب من الأعيان تحمل مسؤولياتهم لإعادة اللحمة بين السكان في المنطقة.

*الصورة: آثار الدمار في غرداية/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".