صنعاء-بقلم غمدان الدقيمي:
مع تضييق الخناق على عناصر تنظيم القاعدة في أفغانستان عقب الحملة العسكرية الواسعة التي قادتها الولايات المتحدة كرد على هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، بدأ التنظيم الجهادي ينظر إلى اليمن كمعقل استراتيجي بديل لاعتبارات سياسية وجغرافية ومذهبية وقبلية.
لكن أولى الهجمات الإرهابية التي تقف خلفها جماعات جهادية في اليمن بدأت في العام 1999، عندما قام ما عرف آنذاك بـ“جيش عدن–أبين الإسلامي” باختطاف 16 سائحاً أجنبياً، قبل أن تتمكن السلطات الحكومية من إنقاذ الرهائن بعد مقتل أربعة منهم، خلال عملية عسكرية انتهت بالقبض على زعيم التنظيم زين العابدين أبو بكر المحضار، الذي نفذ فيه حكم بالإعدام في تشرين الأول/أكتوبر 1999.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2000، بدأ تنظيم القاعدة يتخذ من اليمن ساحة لعملياته العسكرية عبر مهاجمة المدمرة الأميركية "كول" الراسية في ميناء عدن، مخلفا 17 قتيلاً في صفوف الجنود الأميركيين.
موضوعات متعلقة:
الصراع المذهبي بين الإباضية والمالكية في غرداية
مسيحيون في العراق: يجب فصل الدين عن الدولة
ومنذ ذلك الحين تصاعدت العمليات الإرهابية الداخلية والخارجية لفرع تنظيم القاعدة في اليمن الذي اندمج عام 2009، مع الفرع السعودي تحت اسم “قاعدة الجهادة في جزيرة العرب”، ليغدو حسب تصنيف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي أي”، أخطر فروع التنظيم الجهادي على الاطلاق.
وعلى الرغم من ذلك لم يعد القاعدة التنظيم الوحيد النشط في اليمن، حيث تبنى تنظيم داعش معظم العمليات الانتحارية التي استهدفت مواقع وشخصيات عسكرية ومدنية رفيعة خلال الفترة الأخيرة في البلاد.
أخطر من السرطان
يقول القاضي والخبير القانوني اليمني فؤاد البريهي “القاعدة وداعش جماعات إجرامية تخدم مشاريع شيطانية بسعيها إلى القتل والدمار، وتتعارض مع مقاصد الإسلام، الذي يقيم كل علاقاته باعتباره حامل رسالة السلام للبشرية أجمع”.
ويضيف البريهي، وهو أيضاً رجل دين يمني بارز، لموقع (إرفع صوتك) “لا يوجد لدى هذه التنظيمات تفويضات شرعية لتعبر عن الدين الإسلامي. نحن أكثر المتضررين من أعمالها البشعة”.
ودعا المجتمع بأفراده ومؤسساته الرسمية والخاصة إلى التصدي لهذه التنظيمات باعتبارها “آفة أخطر من مرض السرطان”.
تمثل نفسها
يوافقه الرأي أستاذ التربية الإسلامية في جامعة صنعاء، الدكتور محمد الجلال، “معطيات الإسلام وتعاليمه وأحكامه لا تشير إلى أفعال الإرهاب الحالية (الذبح والقتل والاغتصاب وسبي النساء...). يقول الله سبحانه وتعالى في القران الكريم: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، الذي هو القصاص. والرسول محمد (ص) أمرنا بالإحسان إلى الذمي واليهودي والنصراني".
وينفي الجلال في حديث لموقع (إرفع صوتك)، علاقة تنظيمي القاعدة وداعش بأي مرجع فقهي إسلامي أو بشريعة الإسلام.
"إذا عدنا للقران والسنة سنجد نصوصاً كثيرة تحذر من العنف والقتل. لذا هذه الجماعات لا تمثل إلا نفسها وينبغي أن نفصل بينها وممارساتها وبين الإسلام. شخصياً أعزو ما ترتكبه إلى المسلمين أنفسهم نتيجة أحقاد وضغائن".
وحدة إسلامية
ويوضح الدكتور الجلال أن الأمية والفقر والتفكك الأسري، والجهل بحقائق الدين الإسلامي، والعنف الذي تمارسه الحكومات العربية تحديدا بمصادرة الحريات، أسباب رئيسة سهلت للجماعات الإرهابية استقطاب أطفال وشباب إلى صفوفها، تحديدا في اليمن.
وأشار محمد الجلال إلى أن المشكلة تكمن في “غياب من ينتزع البساط من تحت الجماعات المتطرفة. كل طائفة تفسر الإسلام بطريقتها”.
ويدعو إلى “وحدة إسلامية تمثل المجتمعات المسلمة بمختلف فئاتها وطوائفها، لمواجهة التطرّف، وتقديم صورة صحيحة عن الإسلام للعالم”.
خطورة إعادة إنتاج العنف
"ليس العنف ظاهرة مجتمعية محايدة للوجود المجتمعي بالمطلق، إنما هو ابن بيئته المجتمعية التي يندرج الحقل الثقافي في إطارها”، وفقاً للباحث في علم الاجتماع عبدالله الصنعاني.
وأوضح الصنعاني لموقع (إرفع صوتك) “لا نستطيع القول إن الثقافة العربية من حيث هي عربية أو إسلامية هي ثقافة عنف، لكن البنية الثقافية عموما تتخذ شكلا عنيفا في ظروف معينة. فالعنف الذي تفجر لدى الفاشية أو النازية ليس مكونا بنيويا في الثقافة الألمانية أو الإيطالية، كما أن العنف الديني الحاضر ليس مكونا بنيويا في بنية الدين الإسلامي”.
"إن فكرة الجهاد المقدس أو الحرب المقدسة ليس بنيوية في أي ثقافة من منطلق أخلاقي تجريدي، لكن النزعات والأهواء الاجتماعية والسياسية هي التي تطلبت اختلاقها ورعايتها والتبرير بها”، والحديث للصنعاني الذي يحذر من خطورة العنف من خلال إعادة إنتاج نسقه وبنيته المجتمعية.
*الصورة: مقاتلون في اليمن/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659