بقلم إلسي مِلكونيان:
كثر الحديث في الآونة الأخيرة وتحديداً بعد ثورات الربيع العربي وظهور تنظيم داعش عن مستقبل المسيحيين في العراق.
ودلت مؤشرات عدة إلى انخفاض عددهم. ويعود إلى عدة عوامل: فالمسيحيون ينجبون عدداً أقل من الأطفال بالمقارنة مع المسلمين، حسب دراسة لمعهد "بيو" للأبحاث.
كما تعرض أغلبهم إلى القتل والتهجير. ففي الموصل مثلاً ساهمت حملات القتل في 2008 بتهديد وجودهم. وساء الوضع مع سيطرة تنظيم داعش على المدينة، إذ أعلن التنظيم في تموز/يوليو 2014 أن الموصل طهرت من جميع المسيحيين، حسب مجلة ذا إكونوميست البريطانية.
موضوعات متعلقة:
تفنيد تفسير الإرهابيين لآيات القتال في القرآن
الصراع المذهبي بين الإباضية والمالكية في غرداية
في المقابل، أصدرت الرابطة الكلدانية بياناً نقلته وسائل أنباء عراقية في 28 حزيران/يوليو تدعو فيه المسيحيين المتبقين في العراق إلى البقاء في أرضهم، والثبات بها وعدم الهجرة.
في خضم هذه التناقضات والتحديات، كيف يتعايش من تبقى من مسيحيي العراق مع واقعهم وكيف ينظرون إلى مستقبلهم في هذا البلد الذي عاش به آباؤهم وأجدادهم منذ آلاف السنين؟
المتاجرة بالدين
"بريخ صفرو" تعني صباح الخير بالسريانية. هكذا بدأ وليم وردة مسؤول تحالف الأقليات العراقية ومسؤول العلاقات العامة لجمعية حمورابي لحقوق الإنسان حديثه لموقع (إرفع صوتك) موضحاً أن وجود المسحيين في العراق ليس جديداً، إذ يتقن بعضهم اللغتان الآرامية والسريانية ويتواصلون بها حتى الآن.
وبحسب وردة، حققت الأقلية المسيحية مكانة متميزة في المجتمع، بقوله "إن ما يميز المجتمع المسيحي عن غيره من المجتمعات الأخرى هو الاهتمام بالتعليم. حيث كان معظمهم من حملة الشهادات العليا أو أصحاب مهن ومهارات وكان هذا مصدر قوتهم".
لكن يحكي وردة أن الطائفية كانت متأججة حتى قبل قدوم داعش حيث استخدم الاختلاف الديني كذريعة منذ عام 2003 لتغيير وضع الأقليات. بالنسبة للمسيحيين مثلاً، فقد تم تغيير أسماء بعض المدارس الابتدائية والمتوسطة التي كانت تدار بمساهمة الكنيسة إلى أسماء أخرى خوفاً وتماشياً مع انتشار أيديولوجية طائفية جديدة.
واستمر التغيير حتى وصلنا إلى الوقت الحالي. وفي غياب الإحصاءات الرسمية، يقدر أن عدد المسيحيين الآن قد انخفض حتى وصل إلى 300 ألف شخص من أصل أكثر من مليون، حسب وردة. ويبدو أن الأمر أصعب على الطلاب والأطفال الذين ولدوا في سنوات الحرب.
يعلق وردة أن الأطفال المسيحيين في العراق يعيشون حالة اجتماعية مختلفة قائلاً "لا يعرف الأطفال الآن سوى الحرب. ولم يبق للمسيحيين إلا التفكير بمغادرة هذا البلد على الرغم من أن من غادر لم يخرج حباً بالمغادرة، وإنما خرج اضطراراً".
يجب تغيير"الأيديولوجيا"
تفرض الأوضاع المعيشية في العراق في الوقت الراهن المزيد من التحديات متمثلة بالحالة الأمنية المتردية وتباطؤالإصلاحات، ناهيك عن داعش. كنتيجة، يهدد هذا قدرة المسيحيين على تعليم أولادهم ويزعزع مكانتهم -كفئة متعلمة. إذ أصبح من الصعب على أولاد هذه الطائفة التعلم في مدارس خاصة، التي غالباً ما يكون قسط الدراسة فيها مرتفعاً.
يقول مار لويس ساكو، رئيس أساقفة الكلدان في حديث مع موقع (إرفع صوتك) "التعليم في القطاع الحكومي فقد جودته (بسبب الظروف). فتبقى المدارس الخاصة والمدارس الأهلية التي افتتحناها برعاية الكنيسة كمدرسة "أم بغداد" الحل الوحيد أمام الأهالي، وهي مفتوحة للمسيحيين وغير المسيحيين في عدد من المدن مثل بغداد والبصرة وكركوك".
وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة، يضيف الأب الأسقف ساكو، فإن بعض المدارس فتحت مجاناً للنازحين، ولكن لا يمكن تطبيق ذلك في المدارس الأخرى بسبب الحاجة إلى التمويل ووجود ما يزيد عن حوالي 200 موظف يحتاجون إلى رواتب في بغداد لوحدها.
ويضيف "على الرغم من ذلك فإننا نشجع الناس وأطفالنا على البقاء على غرار أجدادنا الذين عاشوا في هذه البلاد منذ آلاف السنين. كما قدمت الكنيسة الكثير (من المعونات) للعوائل المسلمة أيضاً لنشجعها على البقاء وصلينا سوياً".
ويشدد ساكو على أن غرس مبدأ المواطنة في أطفال العراق الآن هو مرهون بتغيير أيديولوجية الطائفية في المجتمع ككل لتكون بعيدة عن التطرف، قائلاً "إن عقلية المسلمين يجب أن تتغير حيث أنهم يجب أن يفصلوا الدين عن الدولة دون النظر إلى عرق أو إيمان الشخص وهذا النهج (الحالي) لا مستقبل له. أتمنى من المسلمين أن ينفتحوا وأن يقبلوا الآخرين على مبدأ العيش المشترك، لأن فكر داعش المتشدد الإرهابي يستهدف الجميع".
الصورة: تبقى المدارس الخاصة والمدارس الأهلية التي افتتحناها برعاية الكنيسة الحل الوحيد أمام الأهالي/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659