بقلم خالد الغالي:
جردت السلطات البحرينية 208 شخصا من جنسياتهم خلال العام الماضي وحده. ضمت القائمة بحرينيين التحقوا بتنظيم داعش، وآخرين اتهمتهم الحكومة بارتكاب أعمال إرهابية، إضافة إلى مدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء سياسيين وصحافيين وأطباء وعلماء دين، حسب المنظمات الحقوقية.
وفي أعين المعارضة الشيعية، تستعمل الحكومة سلاح الإدانة بقانون الإرهاب ونزع الجنسية لإسكات صوت النشطاء الشيعة، فيما تقول الحكومة إن المسقطة جنسياتهم أضروا بالأمن الداخلي للبلاد وبمصالحها الكبرى، أو أخلوا بالولاء الواجب لها.
اقرأ أيضاً:
مقاتل جزائري: أُصبتُ أنا.. وأصدقاء الإرهابي يتمتعون بالمصالحة
ناشطون: عدم انضمام العراق إلى المحكمة الدولية سَلَبَ ضحايا داعش حقوقهم
في 20 حزيران/يونيو 2016، أصدر مجلس الوزراء البحريني قرارا بإسقاط الجنسية عن المرجع الشيعي الأبرز في البلاد عيسى قاسم، الأب الروحي لشيعة البحرين. وتلا القرار احتجاجات واعتصام مفتوح لمؤيدي الشيخ أمام منزله قرب العاصمة المنامة.
قوانين جديدة
بالتزامن مع الربيع العربي، قاد شيعة البحرين سنة 2011 سلسلة احتجاجات للمطالبة بملكية دستورية وإصلاحات سياسية. واجهت الحكومة المطالب بقوة وتدخلت لتفريق المعتصمين بـ"دوار اللؤلؤة" وسط العاصمة المنامة، متهمة المعارضة الشيعية بتنفيذ أجندة خارجية والولاء لإيران. في العام التالي، أعلنت وزارة الداخلية عن أول قائمة من 31 شخصا تم تجريدهم من جنسياتهم.
النائب البرلماني السابق عن كتلة الوفاق المعارضة جواد فيروز كان أحد هؤلاء الذي شملهم القرار. يقول في تصريح لـ(إرفع صوتك) من لندن حيث يقيم "تم الأمر بعيدا عن القضاء، ولم تقدم لي الدولة أية حيثيات تفصيلية عن أسباب إسقاط الجنسية، باستثناء الادعاء الإضرار بأمن الدولة وهو تعبير فضفاض".
https://twitter.com/JawadFairooz/status/762670580537647104?lang=enفي المقابل، يعتبر رئيس تحرير صحيفة أخبار الخليج أنور عبد الرحمن أن "المعارضة تبالغ في موضوع نزع الجنسية. إذا أخذنا بعين الاعتبار الأعمال التي يقومون بها، إسقاط الجنسية هو أقل عقاب يمكن أن يتلقوه. إنهم يتعاونون مع دولة تهدد وجود البحرين من أصله. لننظر إلى الهيمنة الإيرانية على العراق، هل يريدون جعل البحرين عراقا آخر؟".
مع منتصف سنة 2013، أدخلت الحكومة البحرينية تعديلات جديدة على قانون الإرهاب لسنة 2006، فصارت الإدانة بالإرهاب تؤدي إلى إسقاط الجنسية. وبعد عام، أدخلت تعديلا آخر، هذه المرة على قانون الجنسية لسنة 1963. ينص التعديل الجديد على إسقاط الجنسية عن من "تسبب في الإضرار بمصالح المملكة أو تصرف تصرفا يناقض واجب الولاء لها" (المادة 10، الفقرة ج).
ويعتقد جواد فيروز أنّه مع تعديل سنة 2014، جاءت الدولة بتعبير أكثر عمومية وغموضا من عبارة "الإضرار بأمن الدولة" و هو "الإضرار بمصالح المملكة والإخلال بواجب الولاء لها". ويضيف فيروز "فوق هذا، كان نزع الجنسية في القانون السابق يتم بأمر من الملك، حاليا أعطيت الصلاحية التامة لوزير الداخلية لإسقاط الجنسية، ولم يعد المرسوم الملكي سوى أمر بالتنفيذ".
مصير "البدون" الجدد
يحتج أغلب المسقط جنسيتهم بأن الأمر يتم عبر قرارات إدارية تتخذها السلطة التنفيذية وليس عبر أحكام قضائية. وينص القانون في البحرين على أن إسقاط الجنسية يتم عبر مرسوم ملكي بناء على تقرير لوزير الداخلية وبعد موافقة مجلس الوزراء. ولحد الساعة، يرفض القضاء البحريني الدعاوى التي يرفعها المتضررون للمطالبة بإلغاء قرارات إسقاط الجنسية، معتبرا أن "لجهة الإدارة في هذا الصدد سلطة تقديرية واسعة لا تخضع لرقابة القضاء".
يعتبر فيروز أن موقف القضاء هذا يؤكد أن "السلطة التنفيذية في البحرين أعلى من السلطة القضائية التي لا تجرؤ حتى على طلب الأدلة من الحكومة، وتعتبرها غير ملزمة حتى بتقديم الأدلة". ويضيف أنها ترسل برسالة لأصحاب الدعاوى مفادها أنّ للسلطة التنفيذية الولاية العليا في إسقاط الجنسية وتقدير من يمكن أن يضر بمصالح البلاد العليا.
أما أنور عبد الرحمن فيرى إسقاط الجنسية عبر قرارات إدارية أمرا عاديا. "في كل الدول، في أميركا وفرنسا وبريطانيا يمكن إسقاط الجنسية بقرار من الحكومة، وليس بالضرورة عبر القضاء. لم الاحتجاج على البحرين إذن؟".
يجد منزوعو الجنسية أنفسهم في وضعية قانونية صعبة، إذ يمكن بسهولة اتهامهم بانتهاك قوانين الإقامة، وحتى إبعادهم إلى بلد آخر. في نيسان/أبريل 2014، أعلنت الحكومة البحرينية ترحيل رجل الدين الشيعي حسين النجاتي، ممثل المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني. وكان النجاتي ضمن أول قائمة تصدر الحكومة قرارا بإسقاط جنسيتها في نوفمبر 2012. وفي يونيو/حزيران 2016، تم ترحيل المحامي تيمور كريمي إلى العراق، بعدما تم إسقاط جنسيته في وقت سابق.
أما الذين يبقون داخل البلاد، فيعني إسقاط الجنسية بشكل تلقائي حرمانهم من هويتهم وأوراقهم الثبوتية، ما يعني إمكانية تعرضهم للاعتقال عند أية نقطة تفتيش ما داموا لا يملكون أوراق هوية. وينعكس الوضع أيضا على أبنائهم حديثي الولادة الذين يحرمون بدورهم من الجنسية. ولا يمكن لهم الاستفادة من أية خدمات تقدمها الدولة مثل الخدمات الصحية والتقاعد والتأمين الاجتماعي وكل المعاملات الإدارية، إضافة إلى استحالة حصولهم على وظائف حكومية وانتفاء حقهم في التملك أو التصرف في أملاكهم الخاصة. علاوة على هذا، يحرمون من ممارسة الحقوق السياسية والمدنية مثل التصويت والترشح في الانتخابات.
*الصورة: في حزيران/يونيو أسقطت البحرين الجنسية عن المرجع الشيعي عيسى قاسم/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659