الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

خلال سنوات الإرهاب التي عرفتها الجزائر (1992-2002)، قررت الحكومة آنذاك تسليح مجموعات من المواطنين على نطاق واسع لأن مصالح الأمن والجيش أضحت عاجزة عن توفير الحماية لسكان الضواحي والقرى، بل وحتى بعض المدن المجاورة للعاصمة كمدينة البليدة (50 كلم جنوب غرب العاصمة) التي جرت بها أكبر العمليات الإرهابية دموية على الإطلاق.

لا تكاد تجد اليوم من نسي تلك الومضات التلفزيونية التشجيعية لرفع السلاح ضد الإرهاب، مثل "رجال واقفون" التي كانت تعقب نشرة الأخبار الرئيسية لتجنيد الشباب لحمل السلاح ذودا عن الوطن إسوة بأجدادهم الذين أخرجوا فرنسا الاستعمارية، كما كانت تقول حملات التجييش تلك.

اقرأ أيضاً:

ناشطون: عدم انضمام العراق إلى المحكمة الدولية سَلَبَ ضحايا داعش حقوقهم

البحرين: هل تستخدم السلطة قانون الإرهاب سلاحا ضد المعارضين؟

فمن الشباب من رفع السلاح ضمن ما كان يعرف بفرق "الدفاع الذاتي"، وهي مجموعات من المواطنين تقتفي آثار الإرهابيين لكنها غير نظامية. بالإضافة إلى جنود "الحرس البلدي" التي كانت تُقفّي عمل أسلاك الأمن باعتبار المنتمين لها من أبناء الأحياء حيث ينشط الإرهابيون.. لكن كيف هي حالتهم اليوم بعدما ساهموا في القضاء على الإرهاب بالجزائر؟

في حديثهم لموقع (إرفع صوتك)، يؤكد بعضهم أنهم رغم ما قدموه دفاعا عن الوطن إلا أنهم يعيشون اليوم وضعا اجتماعيا مزريا. حيث وبعد تراجع العمليات الإرهابية بالجزائر مطلع الألفية الجديدة، استغنت السلطة –على حد قولهم– عن خدماتهم وتركتهم للمشاكل الاجتماعية الناجمة عن عدم الاستقرار وعدم الاستفادة من برامج السكن التي يستفيد منها المنتمون لأسلاك الأمن من الشرطة والدرك والجيش مثلاً.

أين نحن من المصالحة؟

عمراني عبد الرؤوف واحد من أولئك الذين رفعوا السلاح من أجل أن تبقى الجزائر "الجمهورية". يروي عمراني، وهو أب لأربعة أطفال، لموقع (إرفع صوتك) أنّه أصيب خلال اشتباك مع الإرهابيين شهر آب/أغسطس 1996، حيث كان في دورية بحي 1024 مسكن بمدينة البليدة مع زملائه عندما فاجأهم الإرهابيون وانهالوا عليهم رميا بالرصاص. وقد دام الاشتباك أربع ساعات كاملة.

وبالحديث عن حالته الآن بعد مضي 20 سنة على الحادثة، قال "أنا أعتبر تركي في هذا الوضع من طرف السلطات الوصية خيانة للمدافعين عن الجزائر... إنها خيانة عظمى. كلنا نعاني، نعاني نفسيا، نعاني اجتماعيا. إننا نعيش معيشة مضنية. أين نحن من المصالحة؟".

وأضاف الرجل بصوت ملؤه الحسرة والحزن على حالته وعائلته إن حالته تزداد سوءا يوما بعد يوم "مثلي مثل جميع ضحايا الإرهاب، ولو حاولنا تنظيم حركات احتجاجية للمطالبة برد الاعتبار تجد الأمن بالمرصاد!".

أين الضحايا من القوانين؟

من جانبه، يؤكد رمال السعيد وهو واحد من أعوان الحرس البلدي إبان مرحلة الإرهاب أنه كان من الأوائل الذين لبوا نداء الوطن في 7 تموز/يوليو 1994، حينما تم استحداث الحرس البلدي لحماية الممتلكات والأشخاص وتقديم يد المساعدة لأسلاك الأمن بالجزائر.

وفي حديثه لموقع (إرفع صوتك)، قال رمال إنّه كان من الصعب رفع السلاح لمواجهة الإرهاب "حينما رفعناه نحن. كانت مسألة حياة أو موت".

ويضيف أنّه في أحد الأيام، كان وزملاؤه يقومون بعملية تمشيط بمنطقة أولاد يعيش بالبليدة، وكان الهدف من عمليات التمشيط إسقاط الإرهابي "العتري" وهو أمير معروف هناك. تمكنوا من قتله، لكن رمال أصيب بعدها ولم يتعافَ لحد اليوم. "لقد أصبت أنا، وأصحاب الإرهابي اليوم يتمتعون بالحرية ويستفيدون من تدابير المصالحة. أليس هذا أمرا غريبا؟".

كما تساءل ذات المتحدث عن مصير النساء المغتصبات ومصير الأطفال الذين ولدوا بالجبال ولا ذنب لهم في ذلك ومصير الأرامل والأيتام.

والمقاومون؟

وفي حديثه لموقع (إرفع صوتك)، اعترف القانوني مروان عزي والرئيس السابق لخلية متابعة تطبيق تدابير قانون المصالحة الوطنية أن القانون لم يتطرق لملف الحرس البلدي ولا لوضع رجال الدفاع الذاتي، لكنه لم يعتبر ذلك تهميشا لهم ولا عدم اعتراف بجهودهم.

وأضاف أنّه على الرغم من أن قانون المصالحة لم يتطرق للذين كافحوا الإرهاب، لكن السلطات وعدت بالتكفل بملفات الحرس البلدي، حيث دخلت في حوارات مع ممثليهم لمعالجة مطالبهم، "وهو أمر طبيعي لأن القانون صيغ تبعا لأولوية ضبط مواد تتعلق بالمغرر بهم والذين أرادوا الرجوع لصفوف الشعب وهو ما جعل بعض الأوساط تروج لفكرة إغفالهم من طرف السلطة".

ويخرج بالجزائر آلاف من قدماء الحرس البلدي منذ بداية سنة 2012 في مسيرات عارمة بالعاصمة ومختلف كبريات المدن للمطالبة بالحق في التعويض والإدماج في الجيش ومطالبة الحكومات المتعاقبة بما قالوا إنه "رد الاعتبار لتضحياتهم التي بذلوها في مقاومة الإرهاب طيلة 15 عاما".

*الصورة: "ما مصير الأرامل و الأيتام؟"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".