صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

بعد قرابة ستة أعوام على نفاذ قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في اليمن، لا يبدو العمل بالقانون الذي صدر بمرسوم رئاسي في كانون الثاني/يناير 2010 ملموساً على أرض الواقع.

لكن قضاة ومختصين في شؤون مكافحة الإرهاب يرون “وجود القانون بحد ذاته شيء إيجابي”، كما يقول القاضي حمير قيس، وهو عضو سابق في النيابة الجزائية المتخصصة بقضايا أمن الدولة في العاصمة اليمنية صنعاء.

اقرأ أيضاً:

العنبوري: فوضى السلاح تخدم بقاء الأحزاب الحالية في السلطة

متابعة الصحافيين بقانون الإرهاب.. هل يهدد حرية الصحافة بالمغرب؟

يؤكد القاضي قيس لموقع (إرفع صوتك) “استندت لبعض بنود هذا القانون في إحدى القضايا، كان فيها المتهمون أعضاء بتنظيم القاعدة عام 2007 أو 2008، وكان أحدهم مسؤولاً مالياً في التنظيم. وجهت إليه تهمة غسل أموال وتمويل عمليات إرهابية”.

ومع ذلك يعتقد أنه “ما زلنا بحاجة للكثير حتى نلمس نتائج هذا القانون”.

تؤدي الغرض نسبياً

ويتفق في هذا الرأي القاضي خالد الماوري، الذي عمل أيضا مدعيا عاما في النيابة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة. حيث يقول “لا يتم التعامل مع قضايا تمويل الإرهاب كجريمة مستقلة، بل تدخل ضمن أفعال الجرم نفسه إذا أعد المتهمون الوسائل اللازمة لتنفيذ الجريمة”.

ويقول لموقع (إرفع صوتك) إن النصوص الموجودة حاليا في قانوني العقوبات ومكافحة جرائم الاختطاف والتقطع "تؤدي الغرض نسبياً فيما يخص تعاملنا مع قضايا الإرهاب”.

وعلى الرغم من الشبهات التي تثار حول كثير من الأنشطة التجارية وعلاقتها بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، ما تزال أعداد الإخطارات أو البلاغات الواردة من المؤسسات المالية وغير المالية والجهات الرقابية عن عمليات مشتبه من هذا النوع متدنية جداً.

وحسب إحصائية صادرة عن وحدة جمع المعلومات المالية في البنك المركزي اليمني (التي أنشأت بموجب أحكام هذا القانون) اطلع عليها مراسل (إرفع صوتك)، تم استقبال 54 إخطاراً خلال الربع الأول من العام الجاري.

ورفض مسؤولون في النيابة العامة الإفصاح لمراسل (إرفع صوتك) عن أعداد من تم توقيفهم بقضايا تتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

“مراقبة جرائم تمويل الإرهاب وغسل الأموال تحتاج إلى إمكانيات كبيرة ووحدات متخصصة للإبلاغ عن البيانات السليمة والمؤكدة”، يقول القاضي حمير قيس.

أسباب

لكن وفقاً لمسؤول في البنك المركزي اليمني، وهو أبرز الجهات الحكومية المشرفة على القانون، “فإن غياب الإرادة السياسية وعدم تفعيل دور المحاكم والنيابات سبب رئيس في عدم تحقيق نتائج ملموسة من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.

وقال المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن “قصور الفهم سواء لدى الجهات المبلغة أو المتلقية للتحقيق، وغياب الثقافة المجتمعية، وربما التخوف من الموضوع، وغياب الحماية، كلها عوامل ساهمت في عدم تنشيط القانون”.

وأشار لموقع (إرفع صوتك) إلى قصور في برامج التدريب التي يفترض أن تشمل كافة الجهات الرقابية للتعرف على أي اشتباه، بينما “لم نقم بتدريب سوى 20 في المئة من أعضاء النيابة العامة”.

ومع ذلك يعتقد أن اهتمام القضاة في المحاكم أو النيابات الجزائية المتخصصة بالفعل الإرهابي نفسه من دون الاهتمام بالتحقيق المالي للكشف عن أي ملابسات تمويل إرهاب، هي "العامل الأخطر".

مرتكب الجريمة

وفي المادة الرابعة منه، يعرف القانون الذي يشتمل على 53 مادة، مرتكب جريمة تمويل الإرهاب بأنه كل "من يجمع أو يقدم أموالا بشكل مباشر أو غير مباشر وبأي وسيلة كانت مع علمه بأنها ستستخدم كليا أو جزئيا في تمويل ارتكاب الأفعال التالية: 1. أي فعل من أفعال العنف أو التهديد به.. ويهدف إلى بث الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم وتعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر... 2. أي فعل يشكل جريمة تندرج في نطاق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة" التي يكون اليمن قد صادق عليها.

بينما تشمل غسل الأموال، جرائم السرقة واختلاس الأموال العامة أو الاستيلاء عليها بوسائل احتيالية أو الرشوة وخيانة الأمانة إضافة إلى الإتجار غير المشروع بالأسلحة وزراعة وتصنيع المواد المخدرة والإتجار بها في الداخل أو تصديرها للخارج.

ويقضي القانون بالسجن لمدة لا تزيد عن سبع سنوات لكل من أرتكب أي جريمة من جرائم غسل أموال أو تمويل إرهاب، ومصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة لصالح خزينة الدولة.

مقيدة للحريات

وعلى الرغم من أهمية هذا القانون للحد من target="_blank">خطر الإرهاب في اليمن، حسب القاضي حمير قيس، إلا أنه يرى أن هناك “حاجة ملحة لإصدار قانون خاص بمكافحة الإرهاب، يجرم حتى الانتماء للجماعات الإرهابية أو من يؤيدها أو يقدم التسهيلات لها”.

*الصورة: بوابة نيابة الأموال العامة الابتدائية الثانية في شارع التحرير بصنعاء/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".