بقلم حسن عبّاس:

تبرّر بعض الأنظمة العربية انتهاكها الحريات الأساسية لمواطنيها بضرورات مكافحة الإرهاب. لا بل تقرّ قوانين مكافحة إرهاب تتضمّن تقييدات غير مبررة لبعض الحريات. ولكن في الواقع، احترام مكافحة الإرهاب لحقوق الإنسان شرط لنجاحها.

هذه القناعة دفعت فرقة العمل المعنيّة بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب والتي أنشأها الأمين العام للأمم المتحدة، عام 2005، إلى إصدار سلسلة أدلة تشرح ما يجب فعله لحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب.

اقرأ أيضاً:

متابعة الصحافيين بقانون الإرهاب.. هل يهدد حرية الصحافة بالمغرب؟

العنبوري: فوضى السلاح تخدم بقاء الأحزاب الحالية في السلطة

وتسعى هذه الأدلة إلى تقديم الإرشاد حول كيف يمكن للدول الأعضاء أن تعتمد تدابير تحترم حقوق الإنسان في عدد من المجالات المتعلقة بمكافحة الإرهاب. ومنها دليل هام بعنوان "الدليل المرجعي لحقوق الإنسان الأساسية: البنية التحتية الأمنية".

البنية التحتية الأمنية

يُعرّف الدليل البنية التحتية الأمنية بأنها المرافق والتقنيات والشبكات والعمليات التي تهدف إلى منع الاعتداءات الإرهابية، أو الحدّ من الأضرار التي تسببها أو التصدّي لعواقبها، بما في ذلك تدابير التحقيق مع المسؤولين عنها والقبض عليهم بواسطة أجهزة إنفاذ القانون.

ويؤكد أن جميع التدابير، بما في ذلك التدابير الهادفة إلى منع وردع الأعمال الإرهابية، يجب أن تحترم بشكل تام حقوق الإنسان، "فحماية وتعزيز حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب هما واجب من واجبات الدول وشرط من شروط استراتيجية فعّالة لمكافحة الإرهاب".

ويحذّر الدليل بشكل أساسي من احتمال أن تكون لتدابير مكافحة الإرهاب آثار سلبية على أربعة حقوق أساسية: مبادئ المساواة وعدم التمييز، الحق في حرية التنقل، الحق في التماس اللجوء والتمتع به، والحق في الخصوصية.

وإذا كان الدليل يشير إلى أنه "يجوز للدول أن تحدّ شرعياً من ممارسة بعض الحقوق"، إلا أنه يربط ذلك بمجموعة شروط هي:

ـ يجب أن تكون القيود منصوصاً عليها في القانون، وتهدف إلى تحقيق غرض أو أكثر من الأغراض المحدّدة المشروعة كحماية النظام العام والسلامة العامة، والأمن الوطني.

ـ يجب أن تكون القيود ضرورية ومتناسبة، بما يعني أنه على الدول أن تستخدم أقل الوسائل تقييداً لتحقيق الهدف المبتغى.

ـ يجب أن تكون القيود المفروضة لحماية الأمن القومي ضرورية لدرء خطر حقيقي وشيك، وليس مجرد خطر افتراضي.

وفي تفصيله لمسائل التأثيرات الممكنة لإجراءات مكافحة الإرهاب على الحريات، يتطرّق الدليل إلى مسائل هامة سنستعرض بعضها.

ضرورة عدم التنميط

يعرّف الدليل التنميط بأنه "الربط المنهجي لمجموعات من الخصائص البدنية أو السلوكية أو النفسية بجرائم معيّنة واستخدامها كأساس لاتخاذ القرارات المتعلقة بإنفاذ القانون". ووفقاً لهذا التعريف فإنه وسيلة مباحة من وسائل إنفاذ القانون.

ولكنّه يحذّر من استخدام القوالب النمطية التي تعكس تعميمات غير مدروسة لأن ذلك "قد يشكل تجاوزات غير متناسبة على حقوق الإنسان وانتهاكاً لمبدأ عدم التمييز". وهذا ما يحصل حين يكون التنميط مبنياً على أساس إثني أو قومي أو ديني.

ويؤكد أنه "ثبت أن ممارسات التنميط على أساس الإثنية والأصل القومي والدين غير دقيقة وغير ناجحة إلى حدّ كبير في منع النشاط الإرهابي أو في تحديد هوية الإرهابيين". ويضيف أن "مثل هذه الممارسات قد تؤثر على الآلاف من الأبرياء، من دون أن تحقق نتائج ملموسة، ومن ثم قد يكون لها آثار سلبية كبيرة".

ومن التبعات الخطيرة لذلك انعدام الثقة بين الجماعة المستهدفة وبين الشرطة، وهي أمر ضروري للحصول على المعلومات الضرورية لمكافحة الإرهاب.

وبدلاً عن هذا التنميط السلبي، يقترح الدليل تنميطاً "على أساس المؤشرات السلوكية"، مؤكداً في الوقت نفسه أن الاعتماد على هذه المؤشرات يجب أن يكون محايداً وألاّ تُستخدم المؤشرات كمجرد بدائل عن الإثنية أو الأصل القومي أو الدين.

الحق في حرية التنقل

ينبّه الدليل إلى مخاطر الحدّ من حرية تنقل الأشخاص في إطار مكافحة الإرهاب، خاصةً لما في ذلك من تأثير سلبي على حقوق الإنسان الأخرى، مثل الذهاب إلى المدرسة أو العمل، والوصول إلى الأراضي والمياه والموارد الطبيعية، والوصول إلى الخدمات الاجتماعية أو العلاج الطبي، والمشاركة في الحياة الثقافية أو الأسرية.

ويقترح تجنّب التأخير غير الضروري عند نقاط التفتيش أو عند إصدار أو تجهيز التصاريح.

حماية الخصوصية

بما أن إجراءات مكافحة الإرهاب تثير مشكلة انتهاك خصوصيات الأشخاص المراقبين، يقترح الدليل التالي:

ـ اتخاذ الدول تدابير فعّالة لكفالة عدم وقوع المعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة للشخص في أيدي الأشخاص الذين لا يجيز لهم القانون الحصول عليها أو تجهيزها أو استخدامها، وعدم استخدامها على الإطلاق في أغراض تتنافى مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ـ تعيين القانون سلطة تقرر، على أساس كل حالة بحالتها، السماح بالتدخل في الحق في الخصوصية. وينبغي هيكلة سلطة صنع القرار بحيث كلما زاد حجم التعدّي على الخصوصية، ارتفع مستوى الإذن المطلوب.

ـ تبنّي مبدأ الحدّ الأدنى من التطفل: يجب على الدول استنفاد التقنيات الأقل تطفلاً قبل اللجوء إلى غيرها.

وكتوصية تلخّص أموراً كثيرة يعتبر الدليل أنه "ينبغي لأيّ فرد يعتقد أن حقوقه قد انتُهكت من قبل جهاز مخابرات أن يكون قادراً على تقديم شكوى إلى محكمة أو مؤسسة رقابة".

الصورة: شرطي ألماني يؤمن منطقة عقب حادث إطلاق نار/ وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".