المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

لم يكن الصحافي المغربي مصطفى الحسناوي يعرف أن عمله الصحافي في ملف اللاجئين السوريين وتواصله مع عائلاتهم بسورية وتركيا وبلدان الشتات الأخرى ستكون بداية لمعاناته مع قانون مكافحة الإرهاب بالمغرب، حيث اتهم بالتواصل مع مقاتلين إسلاميين بالأراضي السورية.

قضية الحسناوي

تعود قضية الحسناوي إلى عام 2013. في الأشهر الأولى من ذلك العام، تواصل الحسناوي مع عائلة سورية تشتت أفرادها بين المغرب والأردن وتركيا وأوروبا، من خلال محاورة أفرادها في البلدان المتواجدين بها.

"تواصلت مع العائلات وعقدت العزم على التوجه لتركيا"، يقول الحسناوي، 37 سنة. وكان بصدد إعداد تحقيق عن معاناة اللاجئين في مخيمات اللجوء على الحدود السورية التركية.

اقرأ أيضاً:

العنبوري: فوضى السلاح تخدم بقاء الأحزاب الحالية في السلطة

ماذا حقق قانون مكافحة تمويل الإرهاب في اليمن؟

لكن السلطات التركية منعته من دخول البلاد، فعاد إلى المغرب. وهناك، تم استدعاؤه من طرف الشرطة القضائية يوم 16 أيار/مايو 2013.

يتذكر الحسناوي أن المسؤولين في الشرطة القضائية ابلغوه أن الاستدعاء تم للاستفسار عن أسباب رفض السلطات التركية السماح له بدخول تركيا. بعدها أخبروه أنه رهن الاعتقال، وتم التحقيق معه بخصوص كتاباته واتصالاته، ويقول "وجدت نفسي متهما بمحاولة الالتحاق بالجماعات المقاتلة في سورية".

ويضيف الحسناوي "بعد 12 يوما من التحقيق، أحلت لقاضي التحقيق لأتفاجأ بتهمة تكوين عصابة إرهابية من أجل تهديد أمن البلاد، وهي التهمة التي توبعت بسببها، من دون توفر أي شرط أو ركن من أركان الجريمة المادي والمعنوي والقانوني".

حكم على الحسناوي بالحبس لمدة أربع سنوات، ثم تم تقليصها في الاستئناف إلى ثلاث.

غادر الحسناوي أسوار سجن القنيطرة، في 16 أيار/مايو الماضي، وعاد للعمل في موقع إخباري كصحافي.

ويقول "قانون مكافحة الإرهاب يشكل خطرا على حرية التعبير والرأي. وأكبر دليل هو حالتي".

قضية علي أنوزلا

قضية الحسناوي لم تكن الوحيدة التي توبع فيها صحافي بقانون الإرهاب، بل تابعت السلطات المغربية الصحافي المغربي علي أنوزلا، مدير موقع "لكم" الإخباري، بقانون الإرهاب على خلفية نشره خبرا يتضمن رابطا لشريط فيديو لجماعة إرهابية تهدد المغرب.

اعتبرت السلطات المغربية نشْر أنوزلا لرابط الفيديو المنسوب لما يسمى بـ (تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي) "تحريضا على الإرهاب وترويجا له"، وهو ما حرك مسطرة المتابعة في حقه.

اعتقل أنوزلا في 17 سبتمبر/أيلول 2013 بتهمة التحريض على الإرهاب، الأمر الذي فجر حملة انتقادات واسعة تطالب الدولة بالإفراج عنه، وعدم متابعته باستخدام القانون مكافحة الإرهاب.

التهم التي وجهت لأنوزلا اعتبرها مراقبون "تصفية حسابات ومصيدة" للإيقاع بأنوزلا، المعروف بتناوله مواضيع تتفادى الصحافة المغربية الخوض فيها. كما حظيت قضيته بمتابعة حقوقية وطنية ودولية واسعة.

ضغط المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية ساهم بشكل لافت في إطلاق سراح أنوزلا ومتابعته وهو مطلق السراح. غير أن التهم التي وجهت له ومتابعته بقانون الإرهاب لم تسقط عنه. ولا يزال الجميع ينتظر فتح ملفه من جديد.

 الدولة أخطأت

من جهة أخرى، يرى عبد الله البقالي، عضو لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب المغربي وعميد الصحافيين المغاربة، أن متابعة الصحافيين المغاربة بقانون مكافحة الإرهاب "أمر مرفوض جملة وتفصيلا"، مشيرا إلى أن قانون الصحافة الجديد الذي صادقت عليه الحكومة مؤخرا وضع حدا لهذه المتابعات.

وأوضح البقالي  في حديث لموقع (إرفع صوتك) أن العقوبات المنصوص عليها في قانون الصحافة والنشر الجديد تقر بعدم اللجوء إلى متابعة الصحافيين بقانون آخر عوض قانون الصحافة. مؤكدا أن "الدولة المغربية أخطأت بشكل كبير حينما استخدمت قانون الإرهاب في متابعة الصحافيين".

*الصورة: من مظاهرة سابقة للمطالبة بالحرية للصحافي علي أنوزلا/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".