الحرب الأهلية في لبنان
الحرب الأهلية في لبنان

بقلم خالد الغالي:

عاشت المنطقة العربية ثلاثة حروب طاحنة غاب فيها شعار الوطن كسقف جامع. فاصطدمت الهويات الفرعية: الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990)، والفتنة الطائفية في العراق (2006)، والحرب اليمنية الدائرة حاليا بين جماعة أنصار الله الشيعية الزيدية (الحوثيون) المدعومة من إيران والحكومة السنية بقيادة عبد ربه منصور هادي المدعوم من التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية.

حرب لبنان

دخل لبنان، ابتداء من منتصف أبريل/نيسان 1975، فى خضم حرب أهلية دموية، أودت بعشرات الآلاف من القتلى والمفقودين. شاركت في الحرب كل الأطراف ضمن محاور دينية أحيانا وسياسية أحيانا أخرى: المسيحيون بمختلف أطيافهم، المسلمون (شيعة وسنة)، والدروز، إضافة إلى اقتحام أطراف غير لبنانية لحلبة الصراع: منظمة التحرير الفلسطينية، إسرائيل، وسورية.

اقرأ أيضاً:

أزمة اللاجئين السوريين واليمين الأوروبي

محققو الأمم المتحدة يطالبون بمقابلة المزيد من اللاجئين السوريين

بدأت الحرب باصطفافات واضحة: "الجبهة اللبنانية" التي يشكل المسيحيون الموارنة عمادها الأساسي في مواجهة "الحركة الوطنية اللبنانية" (اليسار اللبناني) متحالفة مع منظمة التحرير الفلسطينية. إلا أن التحالفات تغيرت أكثر من مرة. ودخل أطراف الصف الواحد في صراعات لا تقل شراسة عن حربهم مع الصف الآخر. وسمحت الحرب للجيش الإسرائيلي باجتياح لبنان مرتين (احتلال الجنوب سنة 1978 واجتياح بيروت سنة 1982) وللجيش السوري بالدخول إلى البلاد أكثر من مرة، وفي النهاية بسط سيطرته على لبنان ابتداء من سنة 1990 حتى عام 2005.

أدت الحرب الدموية على أرض لا تتجاوز 11 ألف كيلومتر مربع إلى مقتل حوالي 150 ألف شخص وتسجيل 17 ألف مفقود. انتهت سنة 1990 بعد توقيع اتفاق الطائف، لكن دون أن يتمكن اللبنانيون من وضع ركائز نظام سياسي جديد يلغي نظام المحاصصة الطائفية الذي لا يزال جاريا ويعاني منه اللبنانيون إلى حدود اليوم (لبنان من دون رئيس جمهورية من أيار/مايو 2014).

فخ الزرقاوي

نجح أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين في جر العراقيين، سنة 2006، إلى حرب طائفية سنية شيعية أدت إلى مقتل أكثر من 34 ألف شخص. وقد عمد الزرقاوي، كما يقول هو نفسه في رسالة إلى زعيمي تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، إلى استهداف الشيعة - دون التمييز بين مدنيين ومسلحين- أملا في أن يؤدي رد فعلهم إلى حرب طائفية، تؤدي إلى التفاف السنة حول التنظيم الإرهابي.

أقدم الزرقاوي، في 22 شباط/فبراير 2006، على تفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، في مدينة سامراء (شمال بغداد)، أحد أكثر الأماكن قداسة لدى الشيعة. ردت الفصائل الشيعية، وعلى رأسها جيش المهدي وفيلق بدر، باستهداف السنة مدنيين ومسلحين (ينفي قادة هذه التنظيمات التورط في أعمال العنف). فتعددت أشكال القتل بين السنة والشيعة من تفجيرات انتحارية وهجمات عشوائية وعمليات اختطاف واغتيالات و إعدامات. كان الكل مستهدفا: أساتذة، أطباء، صحافيون، رياضيون، وحتى الأطفال. ووصلت معدلات القتل إلى أكثر من 100 شخص في اليوم الواحد خلال شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو 2006.

علاوة على ذلك، تسببت موجة العنف بنزوح أكثر من 41 ألف عائلة. ونزح المسلمون الشيعة نحو الجنوب حيث يشكلون الأغلبية في بعض المدن، فيما نزح السنة إلى الوسط والغرب، ونزح المسيحيون نحو محافظة نينوى، بينما اتجه الأكراد صوب مدن إقليم كردستان.

طائفية مقنعة في اليمن

رغم أن الصراع في اليمن لا يبدو طائفيا، إلا أنه كذلك في الحقيقة. فحركة أنصار الله (أو الحوثيون نسبة إلى مؤسسهم حسين بدر الدين الحوثي) هي حركة شيعية زيدية مسلحة تتخذ من مدينة صعدة في الشمال معقلا لها، ودخلت في مواجهات مفتوحة مع الحكومة اليمنية منذ سنة 2004 (تأسست الحركة 1992).

أما الحكومة اليمنية الحالية المعترف بها دوليا، فهي سنية تحت قيادة رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، وتحظى بدعم قوي من المملكة العربية السعودية التي تدخلت في اليمن في إطار تحالف يضم دول مختلفة، في آذار/مارس 2015. في المقابل، يحظى الحوثيون بدعم إيراني، كمظهر من مظاهر الصراع  السياسي السعودي الإيراني حول بسط النفوذ في المنطقة.

ورغم تحالف الحركة مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح (سني)، إلا أن هذا لا ينفي الطابع الطائفي للصراع. فقد كان الحوثيون قبل سنة 2011 يحاربون حليفهم الحالي عندما كان في رئاسة الجمهورية باعتباره قمعيا تجاه حقوق الطائفة الزيدية الشيعية.

*الصورة: تسببت الحرب الأهلية في لبنان في مقتل قرابة 150 ألف شخص وفقدان 17 ألفا آخرين/وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".