بقلم علي قيس:

لمعت في المشهد العراقي في العام 2007 نجمة بدت أشبه بالأمل. فقد وجد أبناء بلاد الرافدين أنفسهم عند خط مشترك يتجاوز حربهم الطائفية التي كشّرت عن أنيابها منذ العام 2005، فقد تمكّن لاعبو المنتخب الوطني العراقي لكرة القدم من تجاوز الطائفية مع نيلهم كأس بطولة أمم آسيا 2007، حين صار اللقب إشارة الى قيمة الوطن التي ارتفعت فوق كل قيمة طائفية وقومية فرعية.

لكن هناك من يتساءل: هل أثمر ذلك النجاح معنى حقيقيا لدى الشارع العراقي؟ وهل تعززت فعليا قيمة الوطن العابر للانقسام الطائفي والقومي مثلما فعل المنتخب الوطني؟

هذا السؤال يجيب عليه علي الدراجي، أحد لاعبي فريق منطقة (سبع البور) الشعبي لكرة القدم، بقوله "من يزرع الطائفية هم السياسيون. ومن يجمع الناس هي الرياضة، وخير مثال على ذلك عندما يلعب المنتخب العراقي يتوحد الجميع".

اقرأ أيضاً:

أزمة اللاجئين السوريين واليمين الأوروبي

محققو الأمم المتحدة يطالبون بمقابلة المزيد من اللاجئين السوريين

يتكون فريق منطقة سبع البور (شمالي بغداد) من 16 لاعبا، سبعة شيعة وخمسة سنة وثلاثة أكراد ولاعب صابئي. "نفرح معا. نحزن معا. نقتسم الفوز معا. لا نعرف معنى الطائفية لأننا بعيدون عن السياسة"، يقول الدراجي.

تقترب الإنتخابات فتحضر الطائفية

وتربط بين أعضاء هذا الفريق الملون دينيا وقوميا علاقة تجاوزت كل مظاهر الطائفية، بحسب الشاب الدراجي الذي يؤكد أنّ منطقتهم المفتقرة للخدمات تضم عوائل من مختلف الطوائف والأديان والقوميات، إلا أنها لا تعرف الطائفية. "أهلنا بعيدون عن السياسة. يعرفونها فقط عندما تقترب الانتخابات، ويبدأ السياسيون بزيارتها".

واستطاع أعضاء الفريق بناء علاقة قائمة على التعاون بينهم، يوضحها علي الدراجي بقوله إنّهم يتواصلون عبر مجموعة على الماسنجر للاطلاع على أحوال الشباب في الفريق، "أي شخص لديه مشكلة نقف معه ونساعده، فخدمة الصديق واجب شرعي".

ويضيف "حتى عندما تمرض والدة أحد الأصدقاء، تذهب أمهاتنا لزيارتها والاطمئنان عليها، لأننا لا نستطيع زيارة النساء".

ويتابع الدراجي إنّ أعضاء الفريق، على الرغم من قضائهم ساعات الليل الأولى في المقهى، يتبادلون الأحاديث، إلا أنهم بمجرد عودتهم إلى المنزل، يتواصلون من جديد عبر مجموعة الماسنجر للاطمئنان على بعض، حتى ساعات متأخرة من الليل.

فرّقتهم "القاعدة" وجمعتهم الصداقة

ويروي عضو فريق منطقة سبع البور، أنه في عام 2004 عندما بدأت الطائفية وبدأ تنظيم القاعدة بتهجير الناس، تفرّق بعض الأصدقاء إلى محافظات صلاح الدين والأنبار والبصرة وميسان، والآخر انتقل إلى منطقة الكرادة (وسط بغداد)، لكن في 2007 وبعد تراجع شبح الحرب الأهلية اجتمعوا من جديد.

%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82-%d8%b3%d8%a8%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%88%d8%b1-%d8%b9%d8%a7%d9%85-2006

ويؤكد الدراجي "رغم أن كل واحد منا كان في محافظة خلال هذه الفترة، لكننا كنا نجتمع بين الآونة والأخرى، التقينا في بيت غيث بمحافظة صلاح الدين (ذات غالبية سنية)، ولعبنا كرة القدم في منطقة "الدير" بمحافظة البصرة (ذات غالبية شيعية)، ولم نشعر يوما بالطائفية".

ويتابع  الدراجي حديثه موضحا عددا من المواقف، فعندما تزوج أحمد الصابئي جمعوا له مبلغا من المال وساعدوه في إقامة حفل الزواج. وعندما توفي والد علي السني وقتل أخو مروان الشيعي، وقفوا جميعا في مجلسي العزاء. ومن خلال تلك المشاعر والمواقف، عبر الدراجي وأصدقاؤه بوصفهم مثالا لآلاف الشباب العراقيين الى فضاء مشترك يؤكدون انه الفسحة الطبيعية التي ستظل تجمعهم ويؤمنون بها.

نشاطات تطوعية

ولا تقتصر جهود الفريق على التعاون في لعبة كرة القدم، فالأعمال التطوعية والأنشطة المدنية جمعتهم أيضا.

يقول اللاعب في الفريق مصطفى شهاب، وهو شاب كردي تعود أصوله إلى محافظة كركوك لكنه يسكن منطقة سبع البور منذ سنين عمره الأولى، إن "أعضاء فريقه اعتادوا المشاركة في الأعمال الخيرية التي تقدمها منظمات المجتمع المدني، التي تزور النازحين في منطقتهم"، ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك)، "كما أننا اعتدنا القيام بحملات تطوعية في المنطقة، مثل حملات التنظيف الجماعية، الهدف منها نشر ثقافة التعاون، رغم تلوننا الطائفي والقومي".

ويؤكد مصطفى "السنوات الطويلة التي جمعتنا لم نتعرض خلالها لأي مشاكل بين أعضاء الفريق، رغم الأزمة الطائفية التي شهدتها المنطقة".

*الصورة الرئيسية: فريق سبع البور، بغداد عام 2016 /بعدسة الفريق وتنشر بإذن خاص منه

*الصورة الثانية: فريق سبع البور، بغداد عام 2004 /بعدسة الفريق وتنشر بإذن خاص منه

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".