بقلم علي عبد الأمير:
هناك من يرى أن صعود الإسلام السياسي الشيعي والسني أوجد انقساما في الولاء: الشيعة لإيران والسنة للسعودية. لكن هل يبدو هذا دقيقا؟ وما القوى التي تقف وراء هذا الانقسام وهل هو إيجابي لبلدان المنطقة، وللعراق تحديدا بوصفه "رائدا" في العنف الطائفي؟
ولأننا في موقع (إرفع صوتك) نثق بالمؤشرات التي تحملها أفكار الناس والجمهور المثقف والمتعلم، فقد عرضنا السؤال في موقع فيسبوك.
اقرأ أيضاً:
بالصور… آثار سنجار التي دمرها داعش
“هناك مسؤولية تقع على علماء الدين”
وفي هذا الصدد يرى ياسر عادل الخفاجي أن من تركة النظام السابق شرخ اجتماعي كبير "من خلال الماكنة الإعلامية والأقلام المأجورة التي أعطت صورة لدى السني العراقي بأن شيعة العراق ما هم إلاّ خونة وتبعية لإيران. حتى في إعلام القنوات الطائفية السنية نسمع عبارة القبائل العربية في الجنوب، وكأن الجنوب يضم قبائل غير عربية، وهذا أنتج ردة فعل من قبل سنة العراق تجاه الأحزاب الإسلامية الشيعية والتي لم تتكئ في البداية على الظهر الإيراني، بل على الأميركي".
الإرهاب يدفع بالشيعة نحو إيران؟
وبحسب الخفاجي، فإن إيران وقبل خروج القوات الأميركية من العراق العام 2011، "كانت تحارب مشروع العراق الجديد. بل إن الإعلام الإيراني في حرب 2003 كان منحازا إلى نظام صدام حسين. فهي كانت تخشى من وجود قوات أميركية على حدودها، وبدأت بتسليح مجاميع عراقية (مقاومة) من أجل ضرب القوات الأميركية، وسورية أيضا لم تكن إيجابية في مواقفها من التغيير في العراق، وسهّلت مرور الانتحاريين والمجاميع المسلحة التي يصدّرها الفكر الوهابي للمنطقة".
ومواقف إيران وسورية حيال التغيير في العراق، بحسب ما يراه الخفاجي "لم يكن الحكم الجديد معها والأحزاب الشيعية بالتحديد، بل وقفوا ضدها (.....)، لكن عندما خرج الجيش الأميركي، تغيّر كل شيء، فقد ظهر تنظيم داعش وبقوة، ولم يكن لدى إيران إلا أن تحتضن الأحزاب الإسلامية الشيعية لتكون حائط صد يحمي جمهوريتها ونظام حكمها. وما كان للأحزاب الشيعية الحاكمة ببغداد إلا أن تتكئ على إيران بعدما وصل داعش إلى الفلوجة، أي على بعد 45 كم عن العاصمة".
أدوات عراقية لصراع إيران والسعودية
ويعتقد رعد الأسدي أن سنوات حكم البعث في العراق أنتجت نوعا من الولاء الوطني المزيف وذلك بـ"ربط الولاء للعراق بالولاء للثورة وقائدها الضرورة وتخوين كل من يخالف هذه الفكرة"، لافتا إلى أن ما حصل في العام 2003 وما حمله من "جرعة الحرية الفكرية" التي لم يعتدها المواطن العراقي، فقد أصبح الولاء مرتبطا بالصراع بين "فريق فقد ما كان يعتقد أنه حقه الموروث في السلطة، وآخر يعتقد أنه استعاد حقه المسلوب فيها، لذا تشتت الولاء إلى أطراف دولية وإقليمية تغذي هذه النزعة لدى الفريقين في صراع مصالح وبسط نفوذ بين قطبي الشرق الأوسط المتنافرين مذهبيا، إيران والسعودية. ومع وجود أدوات محلية لهذه الأقطاب هي عبارة عن أحزاب كارتونية صنعت لهذا الغرض، وزودت بأذرع عسكرية، أصبح العراق ساحة حرب دامية يتجنب بها المتحاربون الصدام المباشر على حساب الغباء الطائفي العراقي".
الطائفة حين يبدو الوطن ضائعا
ويجد الدارس في الحوزة الدينية بالنجف، الشيخ عبد الكريم صالح، أن الطائفة تحضر حين يبدو الوطن مفقودا، ولا يوفر لأبنائه متطلبات العيش الكريم، مؤكدا "لمّا كان الوطن لا يوفر أي كرامة لأبنائه لا في النظام السابق ولا ما بعده، فيضطر كثير من أبنائه، أن يتكئوا على جهة توفر لهم بعض الكرامة للرابطة المذهبية والدينية أو الإثنية، ويجدون فيها بديلاً عن الولاء للوطن الذي لم يعط لأبنائه إلا القتل والفقر والضياع وإهدار الكرامة. فإذا أردنا من الناس أن يتخلوا عن انتماءاتهم المذهبية والطائفية والدينية، فلا بد أن نوفر لهم بديلاً يشعرهم بكرامتهم وأمنهم واستقرارهم، ويشعرهم بفخرهم بانتسابهم لوطنهم وبلدهم الذي يعطيهم الرفعة والعزة والكرامة".
ويبدأ رعد الأسدي سجالا مع الشيخ صالح، فيسأله "ربما تكون محقا بمسألة شح الوطن على أبنائه، لكن هل وفّرت الجهات التي منحها بعض العراقيين ولاءهم، ما فقدوه من كرامة وعزة وعيش رغيد؟".
ليبادره الأخير بالجواب "لم أقل إنها وفرت لهم ما فقدوا، لكنهم يمنّون أنفسهم ويبحثون عن بديل حتى ليجربوه ويغالطوا أنفسهم هرباً من وطنهم، كمن يهرب من أهله ويبحث عن غيرهم ليوفروا له ما فقد من حنان واهتمام فإنه مؤكد لن يجد كأهله، لكنه يبقى يبحث عن بديل لهم".
وعن قراءة صالح المعبرة عن طيف عراقي وجد في الطائفية ملاذا آمنا يوفر له بعض ما يحتاجه من متطلبات أساسية، بادر كاتب السطور بسؤال الطالب في الحوزة الدينية "لماذا بدت الطائفية في العراق جسرا إلى الولاء للآخرين: الشيعة لإيران والسنة للسعودية؟ هل هذا دقيق إلى حد ما؟".
وجاء الجواب على النحو التالي "هناك كثير من الأمور تشكّل هوية الفرد، فإن كان انتماؤه للوطن لا يوفر له ذلك ينتقل ويبحث عن جزء آخر من مكونات هويته للتمسك به عسى أن يعطيه ما فقد، فالشيعي يرى سائر الشيعة إخوته في الانتماء، وهم يشتركون في جزء مهم لتكوين هويتهم وهو هذه العقيدة، كما أن السنّي أيضا يرى ذلك فيمن يشترك معه في معتقده".
*الصورة: عراقيون لم يجدوا غير علم البلاد راية لهم رغم الانقسام الطائفي/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659