الأردن – بقلم صالح قشطة:
تحرص الجماعات المتطرفة بنهجها وممارساتها الإرهابية على إقصاء "الآخر" المختلف عنهم، بل وإبادته تماماً، ما يخلق مجتمع ذو هوية أحادية لا تنوع فيها، مشتتاً نسيجه الاجتماعي ومهدداً حاضر المنطقة ومستقبلها ومستقبل شعوبها، خاصة إذا ما تم استغلال العاطفة الدينية لإضفاء صبغة شرعية على هذا النهج المتطرف المرفوض إنسانياً.
وفي هذا الشأن يلتقي موقع (إرفع صوتك) الدكتور عامر الحافي، أستاذ الأديان في جامعة آل البيت والمستشار الأكاديمي في المعهد الملكي للدراسات الدينية.
اقرأ أيضاً:
العراقيون وسؤال الولاء: الشيعة لإيران والسنة للسعودية!
بالصور… آثار سنجار التي دمرها داعش
ما مدى تأثير الصراعات الدينية في الدول العربية على تركيبتها الاجتماعية؟
للأسف يبدو الشأن الديني كمسبب لهذا التشتيت، لكن السياسة هي السبب في الواقع، وأكبر مثال ما حدث في العراق وسورية. فطالما عاش فيهما الناس بسلام رغم انتمائهم لطوائف ومذاهب مختلفة، لكن الصراع السياسي تحول إلى صراع عسكري وبدأ يضرب النسيج الاجتماعي باستخدام اللغة المذهبية والطائفية والدينية. وهذا التوظيف الديني الخاطئ استفاد من غياب فكر إسلامي تجديدي، وعدم وجود مرجعية ثابتة، ووجود بعض الدول التي قامت على أسس دينية في المنطقة، وهذه الدول لا تستطيع أن تساهم في صناعة هوية وطنية بالمعنى المدني للكلمة.
لكن كثيراً ما توظف السياسة عناصر أخرى لتحقيق مصالحها أو زرع الفتن، فلماذا نجحت بذلك بشكل أكبر عندما استخدمت عنصر الدين؟
هناك مسؤولية تقع على علماء الدين كونهم لم يصيغوا خطابا إسلاميا معاصرا يستوعب المشكلات المعاصرة ويواجه الثغرات ويسدها بعيداً عن الفئات التي تريد اختطاف الدين وتوظيفه لصالحهم، فلا بد من وجود مراجعة وعقل نقدي وفكر ديني قائم على العقل، وليس التدين السطحي القائم على المنقولات والأفكار الكمية على حساب الأفكار النوعية.
ماذا عن انتماء المواطن.. هل يفترض أن يكون للدين أم للوطن؟
وضع الوطن والدين كنقيضين أو كقطبين يشكل معادلة غير صحيحة من الأساس، فالدين والوطن كلاهما يعبر عن احتياجات إنسانية، لكن الموضوع أكثر تعقيداً على أرض الواقع، فهل هذه المفاهيم الدينية الموجودة في عقول شبابنا تسهم في دعم الإحساس بالوطن والانتماء له؟ وبالمقابل هل النظم السياسية في هذه الأوطان ساعدتهم على أن يحبوا أوطانهم وأن يعملوا من أجلها؟ أم أنها جعلتهم في حالة من الهروب والتقوقع والبحث عن هوية بديلة عن هوية المواطنة؟
برأيك، هل يجب أن تكون الدول العربية دول إسلامية فقط؟ وإلى ماذا سيؤدي ذلك لو تحقق؟
هذه حالة بعيدة عن الواقع الإنساني وبعيدة عن حكمة الله كما ذكر القرآن (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً). ولو أراد الله ذلك لقام من الأساس بخلق العالم كله من المسلمين، لكن هذه التعددية هي سمة طبيعية تكوينية على مستوى الواقع البشري والفطرة الإنسانية. وإذا أردنا أن نوجد نظام سياسي يقوم على أحادية في السياسة أو نظام ديني يقوم على أحادية في العقيدة فسنكون خارج التاريخ.
وإلى ماذا يؤدي غياب التنوع باعتقادك؟
سيؤدي بنا إلى نوع من عمى الألوان وفقدان الإحساس بالآخر، وإلى توحد كما هو مرض التوحد تماماً، وهناك نوع من التفكير ناتج عن نوع من التوحد كمرض فكري، وهذا لن يؤدي إلى مجتمع قوي، والتنوع كان أحد أهم أسباب تطور الحضارة الإسلامية، فكان هناك شعراء من الدين المسيحي، وأيضاً ابن ميمون اليهودي الذي كان طبيب صلاح الدين. وكان هناك كثير من الكيميائيين والمترجمين، وكان هناك تنوع في جميع مجالات الحياة، ومعظم العلماء المسلمين أخرجتهم الحضارة الفارسية، كالرازي وابن سينا والغزالي والبيروني.
بالمقابل، ماذا سيقدم هذا التنوع للدول العربية؟
التنوع على المستوى الثقافي سيثير دائماً العقل التساؤلي، فعندما يستمع الإنسان إلى طريقة تفكير أخرى فسوف يظهر لديه التفكير الإبداعي، بينما عندما يبقى الإنسان مكرراً لما يقوله، وعندما يرى في هذا التكرار نوعاً من القداسة وأحادية الحقيقة فسيتحول هذا المجتمع إلى مجتمع متخلف بلا ريب، والقرآن مليء بالحديث عن الآخر، وكان يمكن للقرآن ألّا يتحدث عن الشعوب الأخرى، وهم ليسوا عرباً ولا مسلمين.
يتذرع المتطرفون بأن الإسلام أمرهم بالدعوة إلى تلك الهوية الأحادية، وآخرون يعترضون على ذلك ويعتبرونه افتراءً على الدين، ما حقيقة ذلك؟ وماذا قدم الإسلام لتحقيق التنوع واستيعاب المكونات الوطنية الأخرى؟
الإسلام قبل بالآخر الديني، وكما جاء في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، فالقرآن يقر بوجود أديان كثيرة، ويقول إن من عمل الخير وآمن بالله من أتباعها فلا مشكلة لديه حتى في يوم القيامة.
وفي العلاقة الاجتماعية أقر الإسلام الزواج بغير المسلمة، وهذا يؤكد على أن العقل الإسلامي حاول بجدية استيعاب هذا التنوع والتغير، وحتى وثيقة المدينة التي وقعها النبي محمد مع القبائل اليهودية تؤكد أن العلاقة لم تكن مع المسلمين فقط، ولم تكن دولة أحادية العقيدة، بل قد تكون الوثيقة الأولى التي تشير إلى نوع من قبول التعددية الدينية وتؤسس لها وتعطيها نوع من الدستورية، وبقي اليهود في الجزيرة العربية وها هم في اليمن حتى الآن.
*الصورة: الدكتور عامر الحافي/تنشر بإذن خاص لموقع إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659