بقلم علي عبد الأمير:
يرى مواطنون عراقيون متابعون للشأن العام في بلادهم أن الهويات الطائفية والعشائرية والحزبية أخذت أطوارا جديدة، فلم تعد تثير نزاعات سياسية ومذهبية وتصل إلى حد الصراع المسلح، بل أصبحت تتدخل في رغيف الخبز. وصارت نزاعات على الوظائف والمكانة الاجتماعية، كما يعبر عن ذلك سعد كاظم، بقوله "بدأت الطائفية والانتمائية تأخذ شكلا جديدا، فبعدما كانت الطائفية نزاعا مذهبيا أصبحت نزاعا على الوظائف والمكانة الاجتماعية".
ويؤكد كاظم في استجابته لدعوة موقع (إرفع صوتك) في إبداء الرأي حول الصراعات المذهبية والعرقية وتأثيراتها على المجتمعات في الشرق الأوسط، ومنها المجتمع العراقي، "ضعفت نزعة التدين عند أهل العراق وبقيت فيهم الطائفية وصاروا لا دينيين وطائفيين في آن واحد".
وتأتي إشارة المواطن كاظم في وقت باتت عناصر الطائفية والعشائرية والحزبية ترجّح حصول أي شخص على الوظيفة العامة المضمونة دون غيره، وحتى لو كان ذلك "الآخر" أفضل منه وأكثر جدارة على انجاز العمل ومتطلباته.
من جهته يذهب المواطن، خلف عزيز، إلى التفريق بين الطائفية الدينية والطائفية السياسية، فإذا كان هناك من يرى أن النوع الأول من الطائفية، كان موجودا في العراق، حتى وإن كان بشكل مضمر، إلا أن الثاني ظهر ما بعد العام 2003. "لم تكن الطائفية السياسية موجودة قبل 2003، فمنذ نشوء الدولة العراقية لم تؤسس أحزاب أو كيانات سياسية على أساس طائفي".
ويرى خلف أن الانقسام السياسي الطائفي حدث بعد 2003 عندما شكلت قوائم إنتخابية على أساس طائفي، ودعا رجال دين "لانتخابها حماية لمذهب أو طائفة". ويضيف أن هذا التخندق الحاد أدى إلى "هذا الانقسام الفظيع والذي اتخذ طابعا دمويا. والغريب أن الطائفي يرى أن حليفه هو ملاك منزّل من السماء لنصرته والدفاع عنه وليس مجرد قنّاص فرص وله مصالح يريد تحقيقها وأجندات يطمح إلى تنفيذها".
حب السّنة للسعودية والخوف الشيعي!
وإذا كان معظم العراقيين يتفقون على أن الصراع الطائفي الدموي في بلادهم هو في حد ذاته انعكاسا للصراع الإيراني –السعودي، فإن المواطن بشار فوزي يذهب إلى رأي يبدو مخالفا لما هو شائع عن "ولاء الشيعة لإيران والسنة للسعودية"، قائلا "لم أرَ سنياً يحب السعودية أو يدافع عنها (أتكلم عن الذين أراهم وأتحدث معهم فقط)، لكنني رأيت البعض من إخواننا الشيعة (أركز على البعض) يدافعون عن إيران بشكل غريب!".
بينما تبرر المواطنة العراقية المقيمة في أميركا منذ عامين للدراسة سميرة العبيدي، ولاء بعض الشيعة لإيران بأنه نتيجة لـ"خوف الشيعة في الجنوب من عودة سنة العراق للسيطرة على مقاليد الحكم، ولما سيحل بهم. حينها، نجدهم واقعين في أحضان إيران شئنا أم أبينا. ومما لا ينكر أن (سياسيي السنّة في العراق) يعملون على الاستفادة من الأحقاد التاريخية بين إيران والخليج للوصول إلى ما يصبون إليه: استعادة السلطة. من هنا وكواقع يفرض نفسه، نعم في العراق جبهتان متصارعتان، سنية تطلب الدعم من الخليج وشيعية تطلب الدعم من إيران. ومرة أخرى أقول ما حصل في العراق بعد 2003 أحدث شرخا كبيرا في البنية الاجتماعية العراقية لا يمكن ردمه نهائيا. وكما يقال دائما (صار بيها دم) وحسم الأمر".
التاريخ: تنتصر إيران فيفرح الشيعة وينتصر العثمانيون فيفرح السنّة!
ويحيلنا المواطن ناصر البهادلي إلى الخلفية التاريخية للطائفية الدينية في العراق. فهي، بحسب ما يراه، ليست وليدة الحاضر بل منذ عهود موغلة في القدم. ومما ساعد في تأصيلها أن العراق بين قوتين متضادتين مذهبيا: إيران الفارسية الشيعية وتركيا العثمانية السنّية. فـ"تارة تنتصر إيران فيفرح الشيعة في العراق، وتارة أخرى ينتصر العثمانيون فيفرح السنّة".
ويعتقد البهادلي أنّه "بعدما حاول العهد الملكي وبنجاح إنشاء دولة عراقية مدنية الصبغة ذات أسس متينة، وفعلا قطع أشواطا كبيرة من الرقي، سقط هذا النظام على يد قاسم (عبد الكريم قاسم) والعسكرتاريا. إلا أن الطامة الكبرى هي مجيء عصابة البعث في 1968 وبداية التحول العنيف، حينما نجحت الثورة الإسلامية الشيعية في إيران، فصعد الإسلام السياسي الشيعي منذ مجيء (الرئيس العراقي السابق) صدام حسين. أما الإسلام السياسي السني فلم يصعد بذات الوتيرة لعدم حاجة السنّة له مثلما حاجة الشيعة إلى منقذ". مضيفا في مداخلته "بعد سقوط الطاغية كان لا بد من إيجاد ضد نوعي للإسلام السياسي الشيعي، فكانت الحركات السلفية المتطرفة المدعومة خليجيا".
وفي السياق ذاته يقدم، ثامر كاشي، قراءة لأوضاع بلاده والمنطقة الواقعة تحت "استقطاب طائفي مرعب قطباه إيران - ولاية الفقيه، والسعوخليج (السعودية والخليج). وهذان القطبان يخوضان حربا ضروس خارج حدودهما الإقليمية وفق مبدأ حرب بالنيابة". وأوضح كاشي "السعودية وخليجها، موّلت وتموّل جميع منظمات الذبح الإسلامي. وبمقابل هؤلاء يوجد طيف واسع من الجيوش الشيعية التي تمولها إيران فثمة ما يقارب 60 فصيلا شيعيا عراقيا ابتلعت الدولة والحكومة والمجتمع".
ويستدرك بقوله "الوحيدون الذين يتصرفون وفق مصالحهم القومية هم الكرد. ولا أظنهم سيفرطون بشبر من الأراضي خارج حدود الإقليم والتي استولوا عليها مؤخرا".
*الصورة: طفل في أحد الأحياء الفقيرة جنوب بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659