مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:
يحاور موقع (إرفع صوتك) الدكتور محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، حول الوطن ومفهومه في الدين الإسلامي.
كيف ينظر الإسلام إلى الوطن؟
الوطن في الإسلام هو قطعة من الأرض تقطنها مجموعة من البشر، فتصبح مقرا لمعيشتهم ومستقراً لأهليهم وذريتهم من بعدهم. فيصير واجباً عليهم جميعاً إعمارها وحمايتها. وقد أعلى الإسلام من شأن الأوطان باعتبارها قيمة مهمة في حد ذاتها، كما أنها الهوية المعبرة عن الإنسان، فالحب والانتماء والولاء للوطن واجب، ومن يتلاعب بتلك المفاهيم يعد خائنا في عرف الشرع والقانون.
هل ترجم الإسلام ذلك تاريخيا؟
لقد أعطى رسول الإسلام محمد بن عبد الله نموذجا رائعاً في حب الوطن والانتماء إليه، وذلك حين هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بوقوفه على مشارف وطنه "مكة" ينظر إليها آسفاً حزيناً ليقول "والله إنك أحب بلاد الله إلى الله وإلى نفسي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت".
ويجب أن يكون هذا درسا يعلم الناس والشباب كيف ينظرون إلى وطنهم نظرة حانية طيبة قوية وليزرع في نفوسهم وقلوبهم ووجدانهم حب الوطن فيسعوا لإعلاء شأنه، ولا يُقدموا على تدميره وتخريبه، وهو ما يُعد خيانة ينبذها الإسلام وترفضها الحضارة والإنسانية.
ما الرسالة التي تتوجه بها إلى المصريين؟
على المصريين المحافظة على بلدهم فمكانته عالية، فقد ذُكر في كتاب الله أكثر من 30 مرة وأوصى به الرسول الكريم. كذلك فإن على الدول العربية التعاون والتواصل والحفاظ على الوحدة ففيها رفعة وعلو مكانة الإسلام، في حين تُضعف الخلافات الإسلام والمسلمين.
ماذا عن هذه الخلافات بين المذاهب الإسلامية؟
الخلافات التاريخية والحديثة هي خلافات سياسية وليست دينية. فالخلاف بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كان سياسياً على أحقية من يتولى الخلافة أو الحكم، أما ما يحدث الآن فالسياسة جزء منه، والجزء الآخر مرده إلى عدم الفهم الصحيح للدين مع وجود مشعلي الفتن بالإضافة إلى أن بعض التيارات الدينية ذات التوجهات السياسية تفهم الدين من منظورها القائم على الغلظة والشدة وهذا المفهوم ليس من ديننا فالإسلام يدعو إلى التقارب ونبذ الخلافات.
هل يتقبل الدين الإسلامي مفهوم المواطنة؟
الدين الإسلامي هو أول من حقق مفهوم المواطنة، فقد كان ثالث أعمال رسول الله بعد هجرته للمدينة، حيث بدأ الرسول ببناء المسجد، وثنَّى بالإخاء بين المهاجرين والأنصار ثم أقام عهداً وميثاقاً مع غير المسلمين بالمدينة التي كان يسكنها اليهود والنصارى والمجوس. وسُمي هذا العهد بميثاق المدينة، كذلك فقد قال الرسول الكريم لليهودي ومن على شاكلته "لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين".
كما أن رسول الله ضرب نموذجاً مثالياً وراقياً لتأصيل مفهوم الوحدة الوطنية. وأذكّر هنا بأول هجرة في الإسلام وكانت إلى الحبشة حيث أمر الرسول أصحابه بالهجرة إليها واصفاً إياها بأنها "أرض صدق" وأن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد وذلك مع علم الرسول أن النجاشي كان نصرانياً. وهو ما يؤكد أنه لا عنصرية في الإسلام ولا تعصب، وأن الإسلام يسع الأديان جميعاً بسماحته ليظل جميع البشر متحابين ومتواصلين ومتعاونين.
هل ورد في القرآن ما يؤكد ترحيب الإسلام بالتنوع؟
إسلامنا يدعونا للتواصل مع كل الأديان وحتى مع الذين لا يدينون بدين والأدلة على ذلك كثيرة في القرآن ومنها قوله تعالى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} سورة المائدة آية 82، وأيضا قوله تعالى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} سورة الممتحنة آية 8.
والبر كما علمونا، شيء هين وكلام لين والقسط هو العدل ومن هنا فإن الإسلام دين مودة وتراحم مع الناس أجمعين.