إعداد حسن عبّاس:
"الجريمة تأكيد لنا على أننا جميعاً مستهدفون، فالقاتل جاء ليقتلنا جميعاً، لأنها محاولة لاغتيال كل مَن يخالف رأيه".
بهذه العبارات وصف الكاتب الصحافي الأردني ومدير عام (دار العروبة للدراسات والنشر) سلطان الحطاب جريمة اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتّر صباح الأحد، 25 أيلول/سبتمبر.
الحطّاب أوضح لموقع (إرفع صوتك) "نحن نختلف مع حتّر سياسياً، لكن لا يمكن الموافقة على اغتياله"، في تأكيد على أن الرأي حول الجريمة لا يجب أن ينطلق من تقييم آراء حتّر التي أزعجت كثيرين، وقال "ما حدث اليوم هو امتحان رسبنا فيه جميعاً".
اقرأ أيضاً:
استمعوا إلى عراقيين من كل الطوائف
صحافي ليبي يروي ويلات التعذيب على يد المتطرفين
وصباح الأحد، أقدم شخص على إطلاق طلقات نارية من مسدّسه باتجاه ناهض حتر، بالقرب من قصر العدل في منطقه العبدلي، وذلك أثناء توجه الكاتب لحضور جلسة للمحكمة، ما أدى إلى وفاته.
وبرغم أن جلسة المحاكمة كانت سرّية، إلا أن هذا لم يمنع الجاني من معرفة موعدها. فتقدّم بلحيته الكثيفة وجلبابه الرمادي من حتّر وقتله. ومن التفاصيل التي نشرتها الصحف الأردنية عن الجاني، تبيّن أنه قادم حديثاً من الحجّ ويبلغ من العمر 49 عاماً وكان إماماً لأحد مساجد عمان قبل أن تفصله وزارة الأوقاف، عام 2009، بسبب آرائه المتطرّفة.
الحوار أو السلاح
عائلة حتّر حمّلت الحكومة الأردنية بشخص رئيسها هاني المُلقي مسؤولية الجريمة، أولاً لأنها هي التي حرّكت ضدّه دعوى حق عام أدت إلى محاكمته وثانياً لأنها لم تؤمّن له الحماية اللازمة برغم معرفتها بالتهديدات الكثيرة التي تعرّض لها الكاتب في الفترة السابقة.
ولكنّ الحكومة أدانت الجريمة واصفةً إياها بـ"النكراء". وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني إن "اليد التي امتدّت إلى الكاتب المرحوم حتّر ستلقى القصاص العادل حتى تكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه ارتكاب مثل هذه الجريمة الغادرة".
وبرأي الحطاب، فإن المساحات التي لا حوار فيها يملأها السلاح. ولو كان لدينا الحوار اللازم لما كان ليهبط علينا هذا القاتل".
يعتبر الكاتب أنه "مطلوب حوار سياسي واسع بين السلطة والشارع. فرئيس الحكومة يتخذ قراراته بدون العودة إلى الآخرين. وهنالك ارتجال كبير في القرارات التي تُفصَّل على قدر عقول متخذيها ومصالحهم، والتي قد تتناقض مع المصلحة العامة".
لكن في الواقع، "مؤسسات الحوار غائبة ولا يوجد حوار حقيقي لبحث قضايانا الصغيرة والكبيرة"، قال متابعاً إن "الدولة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني تتحمّل المسؤولية عن هذا الغياب".
ومن هنا رأى أن "المسؤولية تطالنا جميعاً، لا فقط تطال فريقاً حكومياً أو رسمياً أو شعبياً أو مسلماً أو مسيحياً أو حضرياً أو بدوياً"، وأكد أن "الحوار علاجنا ودواؤنا وهو الذي يشفي التشققات في جسدنا الوطني".
أساس الأزمة
في 13 آب/أغسطس الماضي، أوقف حتّر على خلفية إعادة نشره، على فيسبوك، رسماً كاريكاتورياً اعتبره كثيرون مسيئاً للذات الإلهية، ما أدى إلى تحريك رئيس الوزراء الأردني دعوى حق عام ضدّه. فاعتقل ولكن أُطلق سراحه بكفالة في 8 أيلول/سبتمبر.
والكاريكاتور، وعنوانه "ربّ الدواعش" ويسخر من نظرة "الدواعش" إلى الله، اعتبره كثيرون غير مسيء للذات الإلهية.
ومع بدء الهجوم عليه، كتب حتّر على صفحته توضيحاً قال فيه إن المنشور "يسخر من الإرهابيين وتصوّرهم للرب والجنة، ولا يمس الذات الإلهية من قريب أو بعيد، بل هو تنزيه لمفهوم الألوهة عما يروّجه الإرهابيون".
لكن هذا لم يخفّف من الهجوم العنيف ضدّه، والذي امتلأت به صفحات التواصل الاجتماعي وشارك فيه دعاة سلفيين كبار منهم أبو محمد المقدسي.
وقد وجّه مدعي عام عمان إلى الكاتب اليساري تهمتي "إثارة النعرات المذهبية" و"إهانة المعتقد الديني"، وهما تهمتان تصل عقوبتهما إلى ثلاث سنوات سجن.
ثقافات قاتلة
"القاتل هو تعبير عن تراكم ثقافات تحريضية لا تقبل الآخر ولا الحوار"، قال الحطاب لافتاً إلى أن "القاتل يعتقد أنه قتل باسم الدين. ولذلك سلّم نفسه راضياً عمّا فعله ومعتقداً أنه أنجز هدفه على أكمل وجه".
وأضاف "لا أحد وكيل لله. مَن نصّب القاتل وكيلاً عن الله؟" وتابع "لقد ارتكب جريمته مشحوناً بطاقة تحريض وتكفير وطاقة قتل تدفع أحياناً بعض الأشخاص إلى ارتداء أحزمة ناسفة وتجفير أنفسهم بين الناس"، واستطرد "يبدو أن هؤلاء الوكلاء ينتشرون بشكل كبير".
من جانبه، غرّد الكاتب الصحافي الكويتي عزيز القناعي:
https://twitter.com/Azizalqenaei/status/780015016149970945واعتبر الصحافي المصري وائل قنديل أن
https://twitter.com/waiel65/status/779999459501608961وقد خلص الحطاب إلى أن "الفكر الرافض للآخر والتكفيري خطير جداً إذا أطلقنا له العنان"، متحدثاً عن "جرائم ارتُكبت بالعشرات على وسائل التواصل الاجتماعي بعد اغتيال حتّر"، قاصداً التعليقات التي تهلّل للجريمة.
ووصف الكاتب الأردني بعض أشكال الإسلام السياسي المنتشر حالياً بأنه "كالجراد سيأكل الأخضر واليابس إن لم نكافحه"، داعياً إلى إعادة النظر في الثقافة والتربية والإعلام.
*الصورة: متظاهرات يرفعن صور ناهض حتّر في وقفة مندّدة باغتيال ناهض حتر/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659