أربيل - بقلم متين أمين:
رغم مساهمته في بناء الكثير من بيوت وأبنية مدينته الموصل وأطرافها على مدى أكثر من 57 عاما، إلا أن الأسطة يوسف يعقوب البالغ من العمر 91 عاما، والمعروف في مدينته بـ"صاحب البيت الكبير"، يعيش اليوم في مخيم آشتي للنازحين المسيحيين في بلدة عينكاوة ذات الغالبية المسيحية شمال مدينة أربيل في إقليم كردستان العراق. فالأوضاع التي شهدتها المدينة خلال العامين الماضيين غيرت مسار حياته من رجل متمكن ماليا إلى رجل يعيش على المساعدات الدولية منتظرا فرصة الهجرة الى خارج العراق.
صاحب البيت الكبير
يقول الأسطة يوسف في حديث لموقع (إرفع صوتك) "أنا بناء وقضيت أكثر من 57 عاما في هذه المهنة". ويروي أنّه كان يتنقل بين أحياء الموصل والأقضية والنواحي والبلدات والقرى الواقعة في أطرافها وأن الأبنية والدور والمدارس والقرى التي بناها لا تعد ولا تحصى. وبحسرة يردف "ذكرياتنا في الموصل كانت جميلة جدا".
اقرأ أيضاً:
منظمات حقوقية ونقابية تنتقد دعوة مفتي تونس
تدمير آثار تمبكتو يؤدي إلى حكم بالسجن تسع سنوات
أما منزله الذي اضطر إلى تركه بسبب سيطرة تنظيم داعش على المدينة قبل أكثر من عامين، فيروي متأثرا أنّه كان يعمل مع أولاده في الموصل وتمكّن بعرق جبينه وبمساعدة أبنائه من بناء بيته الذي كانت مساحته 450 مترا مربعا، ويقع في حي المثنى وسط المدينة.
كان بيتا كاملا من كافة النواحي، ولكبر حجم المنزل أطلق على الأسطة يوسف لقب صاحب "البيت الكبير"، لكن الأحداث التي شهدتها المدينة من العمليات الإرهابية والتفجيرات، واحتلال المدينة من قبل داعش في 2014، "وبسبب ما تعرضنا له من تهجير، انتهى بنا الحال إلى هذا المخيم".
ويلفت الأسطة يوسف إلى أنّه تهجّر من المدينة ثلاث مرات بسبب العنف والإرهاب كان آخرها على يد داعش.
يحلم بالهجرة...
الأسطة يوسف أب بخمسة أولاد وثلاث فتيات، هاجروا جميعهم إلى أميركا، بينما ظل هو في المخيم مع أخته وأخيه اللذين يعيشان مع عوائلهما. يقضي الأسطة يوسف أوقاته يوميا بالتمشي في المخيم والجلوس مع أخته وأخيه لتبادل أطراف الحديث عن ذكريات الموصل والطفولة التي عاشوها بين أزقة المدينة ومدارسها وأسواقها.
وما زال الرجل يتذكر القرى الثلاث التي بناها بنفسه على الحدود مع سورية، وهي قرى تل خليل وأم جريس وأم الذيبان، ويتذكر عمله في حي الزهور والحي العربي وحي النور وحي بكر، والأحياء والمناطق الأخرى، إضافة إلى بنائه لأول مدرستين بالحجر في بلدة عينكاوة في أربيل عام 1952، لكنه الآن ينتظر أن يلتحق بأبنائه في المهجر ليعيش ما تبقى من عمره بالقرب منهم.
الموصل
منذ عملية تحرير العراق وإسقاط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 2003، والموصل واحدة من المدن التي أطلق عليها إسم المناطق الساخنة، فهذه المدينة التي تعد ثاني أكبر مدن العراق وعلى مدى الأعوام الثلاثة عشرة الماضية لم تشهد الهدوء أبدا، وكانت تعيش أوضاعاً أمنية مترهلة حتى وصل الحال إلى سقوطها بيد تنظيم داعش الذي احتل المدينة في حزيران/يونيو من العام 2014، وبدأ بقتل واعتقال أبنائها وسبي نسائها وأطفالها. وكانت الأقليات الدينية والعرقية الأكثر عرضة لجرائم التنظيم الذي شن حملة إبادة جماعية ضد الأيزيديين والمسيحيين والكاكائيين والشبك والمكونات الأخرى، وحوّل المدينة المعروفة بجمال مناظرها وكثرة معالمها التاريخية إلى سجن كما يصفها سكانها.
ويقول الأسطة يوسف بحزن "مسلحو داعش طردونا من مدينتنا بعد أن جردونا من كل ما نملك من أموال وذهب، واستولوا على عقاراتنا حتى وثائقنا الشخصية، وخرجنا بملابسنا".
ويردف بأسى "في الأمس كنت صاحب البيت الكبير واليوم أعيش وحيدا على المساعدات الإنسانية، أتمنى أن يكون الغد أفضل من ذلك".
لم يعد الأسطة يوسف يُفكر بالعودة إلى الموصل، فهو متشائم من مستقبل المدينة التي شارك في بنائها لبنة لبنة، ويُشدد "لن تصبح الأوضاع على ما يرام أبدا في الموصل".
ويمضي بالقول "فلو افترضنا أننا عدنا إلى المدينة، حينها لا يمكننا أن نعمل ونتحرك بحرية خوفا من أن نكون مرة أخرى هدفا للإرهابيين خاصة أننا لا نمتلك حماية ولا نستطيع المقاومة لأننا غير مسلحين".
ويشترط للعودة إلى مدينته توفير حماية دولية، خاتما حديثه بالقول "نحن لُسعنا بنار الحروب والصراعات التي شهدتها بلادنا، أتمنى أن لا يرى الجيل الجديد ما رأيناه من مآسي".
*الصور: الأسطة يوسف في مخيم النازحين/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659