مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:
"بعد رغد العيش أصبحت أعتمد في تسيير حياة أسرتي وتصريف أمورها على المعونات ووجدت نفسي مضطرا لبدء حياتي من جديد من تحت الصفر، في بلد غير وطني الذي عشت على أرضه ما فات من عقود عمري".
الكلام لنذير عبد العليم ابن مدينة حمص السورية، 50 عاماً، الذي روى لموقع (إرفع صوتك) قصة خروجه من وطنه فاراً بحياته وحياة أسرته من ويلات حرب مشتعلة.
يقول نذير "كانت حياتنا مستقرة بل وممتازة فقد كنت أمتلك دارا واسعة ولدي سيارتي الخاصة وأدير محلا أمتلكه للنظارات فكانت أمورنا بخير".
يتوقف نذير للحظات عن الكلام كأنه يسترجع ماضيه القريب، قبل أن يقول إن رحى الحرب دارت في سورية ودارت معها حركة حياة العائلات السورية "لكن للوراء"، على حد تعبير الرجل.
اقرأ أيضاً:
تدمير آثار تمبكتو يؤدي إلى حكم بالسجن تسع سنوات
الأسطة يوسف من صاحب البيت الكبير في الموصل إلى نازح في أربيل
كان للقصف المستمر أثر كبير على حياة الأسرة اليومية، حسب ما يروي نذير، وكانت أول مشكلة واجهها في التعليم فقد أوقف دراسة أبنائه الستة ومنعهم من الذهاب إلى المدرسة خوفاً على أرواحهم.
"لكن ذلك لم يمنع حالة الرعب التي أصابتهم نتيجة أصوات القصف والضرب والطيران التي كانوا يسمعونها ليل نهار والتي أثرت كثيرا على صحتهم النفسية ووصل الأمر إلى التبول اللاإرادي من شدة الخوف"، يقول نذير.
وهنا بات قرار الرحيل من سورية واجباً وساعد على اتخاذه تدمير بيته بصاروخ "والحمد لله كنا جميعا خارجه فنجونا وقررت حينها السفر إلى مصر حماية لأسرتي"، يضيف نذير.
رحلة السفر
في رحلة السفر، تعرض نذير وعائلته لمجموعة من المضايقات من قبل المجموعات التابعة للنظام من خلال التفتيش وعدم احترام آدمية الإنسان إضافة إلى "الإتاوات"، كما يروي، وقد اضطر إلى دفع أموال طلبها منه رجال الأمن ليمضي سالماً في طريقه وإلا هددوه بتلفيق التهم إليه.
"لم ألتقط أنفاسي إلا عند وصولي مطار القاهرة، وبدأت مرحلة جديدة في حياتنا".
وبعد صرف مدخراته التي خرج بها من سورية، وكانت قليلة، بدأ يبحث عن عمل لتوفير نفقات تعليم الأبناء إلى أن تمكن من العمل كمتطوع بأجر بمنظمة الصحة العالمية، وكانت مهمته متابعة المرضى السوريين بالمستشفيات المصرية وبات له مورد لتدبير الاحتياجات الأساسية لأسرته.
ويتساءل نذير عن الأسباب التي تجعل الإخوة في الوطن الواحد يقتلون بعضهم البعض. ويشير إلى أنّه حين رحل من حمص منذ ثلاث سنوات كانت المنازل مدمرة بنسبة 40 في المئة بالإضافة إلى إصابة كثير من سكانها نتيجة القصف المتواصل والإرهاب الذي تمارسه الجماعات المسلحة و"كذلك جماعات تابعة لقوات النظام السوري التي تقوم أيضا بعمليات خطف"، بحسب نذير.
ويقول نذير إنّ عائلة زوجته كان لها نصيب من عمليات الخطف، حيث تم اختطاف ولديّ أختها في أحياء حمص التي يسيطر عليها النظام، فقد ذهب أحدهما لشراء الطعام فتم اختطافه وطلب فدية مليون ليرة، وحين ذهب أخوه لدفع المال لإطلاق سراحه تم اختطافه هو الآخر، ولا يعلم أحد عنهما شيئا منذ أربع سنوات وحتى الآن.
قصص متشابهة
تتشابه قصص السوريين الذين فروا بحياتهم من بلدهم وما يجري فيه من إرهاب وقتل وحروب وإن كانت الأسماء والأماكن مختلفة. فإذا كان هذا هو الحال في حمص فإنه لا يختلف كثيرا عن غوطة دمشق التي كان يسكن أحد منازلها حسين بشار تاجر الملابس السوري والذي كان يمتلك دكانا هناك ويعيش حياة هانئة مع زوجته وأطفاله الثلاثة إلى أن قامت الثورة واشتعلت الحرب "فأخذت معها كل ما هو جميل في حياتنا التي أصبحت على كف عفريت".
ويحكي عم حسين، 57 عاماً، لموقع (إرفع صوتك) "كنت أتنقل بأسرتي من مكان إلى آخر بحثاً عن الأمان بعد سقوط صاروخ على منزلنا بالغوطة فسوّاه بالأرض وحوَّله إلى تراب، فقررنا الخروج إلى مصر خوفاً أن يصيبنا مكروه كهذا الذي أصاب منزلنا".
بعد مغادرته وعائلته غوطة دمشق بأسابيع قليلة، سمع العم حسين أخبارا عن ضربها بالكيماوي ما أودى بحياة كثير من مواطنيها، "والحمد لله على نجاتي وأفراد أسرتي من هذا المصير".
ويتابع أنه كان وأفراد أسرته يعتقدون أن وجودهم خارج سورية وبعيدا عن وطنهم أمر لن يطول وأن عودتهم ستكون قريبة، لكن مرت الأيام ولم يعودوا إلى الوطن فكان لزاما البحث عن مصدر رزق في مصر. من هنا، أنشأ العم حسين مع بعض أبناء وطنه من السوريين مطعما للمأكولات السورية وتوسع المشروع بمرور الأيام وأصبح مقصدا للعديد من الطلبة العرب والعائلات المصرية.
"نحن الآن بأمان وحالنا ميسور إلى أن يفرج الله كربَنا ونعود إلى وطننا سورية الذي اشتقنا إليه كثيرا".
*الصورة: "لم ألتقط أنفاسي إلا عند وصولي مطار القاهرة، وبدأت مرحلة جديدة في حياتنا"/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659