بقلم صالح الحمداني:
حين سألتُ خالتي العزيزة كواغد مرة: هل ضربك يوماً الحاج منخي؟ أجابتني وهي تمط شفتيها مستنكرة السؤال، وربما السائل: إشحدّه!.
وحين سألت زوجها، الحاج منخي، هل صادف أن ضربت "كوكو" يوماً؟ أجابني بابتسامة تعلو وجهه المحمر خجلا أو ربما توترا: أطگها، وتطگني! (أي أضربها وتضربني).
وبين "إشحده" و "أطگها، وتطگني" خيط رمادي رفيع قد لا يحتمل الكثير من التأويل للقارئ النبه الذي طالما سمع حكايات العنف الأسري أو كان شاهدا عليها وربما بطلا لأحدها.
فـ "ضرب الحبيب الذي يشبه أكل الزبيب" ليس أمراً معيبا للأسف في موروثنا أو حاضرنا، ولا أظنه سيصبح كذلك في المستقبل القريب ما دامت خدود وأجساد القوارير التي أوصانا الإسلام بهن خيرا قد تعودت على "تناوله"، وطالما نصرُ أنا وأنت عزيزي القارئ على التظاهر بأننا لم نسمع صراخ الجارة وهي تستغيث بشواربنا الثخينة التي نقضي ساعات في تفتيلها أمام المرايا، من ضرب زوجها المبرح!
اقرأ أيضاً:
حتى لا يصبح هؤلاء الأطفال شراً على أهلهم
“احترام المرأة يتطلب أن نحارب تهمشيها والإساءة لها”
ثقافة "إحنا شعلينا" و"يا داخل بين البصلة وقشرتها ما ينوبك إلا ريحتها" هذه هي وراء موت طفلة اسمها "زينب"، بعد أن انهال عليها شقيقها ضربا لأنها تأخرت في العودة من مدرستها، وانتحار الرقيقة "سوسن" حرقا بالبنزين بعد أن سأم جسدها الضعيف تحمل رفسات زوجها السكير، وملازمة الصبورة "سعاد" المستشفى لأسابيع في حالة غيبوبة جراء انفعال عصبي ألمّ بوالدها.
العشرات من هذه القصص تطرق مسامعنا وتمر من أمام أنظارنا كل يوم ورغم ذلك تكاد تقتصر ردود أفعالنا على تنهيدة وطبطبة على كتف الضحية. وربما نخصص حلقة من أحد البرامج الحوارية التلفزيونية المهملة التي تبث بعد أن يغط الجميع في نوم عميق للحديث عن قانون تجريم العنف الأسري الذي تخلو منه أجندات عضوات البرلمان وأعضائه.
والجديد بموضوعة العنف الأسري المرتبط بالنساء يا سيدات وسادة، أنه ونحن نقف على أعتاب حقبة زمنية جديدة تقترب بها "قارورة" مثل السيدة هيلاري كلنتون من أن تصبح رئيسة لدولة عظمى بثقل الولايات المتحدة الأميركية، فإن 54 في المئة من النساء في بلدي العراق يعتقدن أن ضرب الزوج لهن لا يعد نوعا من أنواع العنف، بل هو "أكل زبيب" أو "ساعة غضب وراحت لحالها"، حسبما ذكرت دراسة أجرتها الأمم المتحدة حديثاً بالتعاون مع الحكومة العراقية.
ولو صدقت هذه الدراسة، فذلك يعني أن أعضاء البرلمان الكرام ليسوا بحاجة لأن يستيقظوا من سباتهم لإقرار قانون قد يسهم بإنقاذ ضحايا العنف الأسري لأن نساء العائلة والحارة سيقمن بلملمة الموضوع كما جرت العادة و"ضربة تفوت ولا حد يموت" و"مركتنا على زياكنا"! (مثل عراقي معناه مرقتنا على ملابسنا).
في خضم هذه الكوميديا السوداء، تذهب بعض الدراسات النفسية إلى أن العنف الأسري هذا وراء ارتفاع منسوبات العنف المسلح والإرهاب، الذي عادة ما يوظف النساء كوقود في الصراعات مستغلا الإحباط النفسي الذي تشعر به النساء والفتيات جراء ظروفهن المنزلية فيحاولن الهرب منها عبر الارتماء في أحضان تجار الوهم الذين باتوا يتربصون بهن في وسائط التواصل الاجتماعي، محاولين تسويق الخلاص لهن عبر وعود بالحب أو الزواج تارة، وبالعدالة الإلهية تارة أخرى. فنرى الوديعة "شيماء" وقد تحولت إلى ذئب انتحاري اسمه "أم البراء" أو إلى العضاضة "أم قتادة" في كتيبة الخنساء الداعشية!
مُنهكات هُنّ سيدات بلادي.. مُنهكات من أكوام الحزن المهول التي تتصدر نشرات أخبار قلوبهن الكسيرة .. أتعبتهن الحروب والترمّل واليتم، وأتعبهن "أكل الزبيب".. فرأفة بهن يا "أبو شنب يا حبيب" وبنا. وفكّر قبل أن ترفع يدك أن تكون يدك لهن لا عليهن، فربما لو فعلت ستنقذنا جميعا من تفجير انتحاري قادم في الطريق..
في أمان الله.
عن الكاتب: صالح الحمداني، كاتب رأي ساخر وناشط من العراق. له العديد من المساهمات الإعلامية التي تتمحور في مجالات السياسة والمجتمع المدني. كتب لعدة صحف عراقية يومية مهمة مثل جريدتي “الصباح” و”المدى”، فضلاً عن موقع “كتابات” الالكتروني وجريدة “العالم” المستقلة وموقع “واي نيوز” و “الغد برس”. له عمود أسبوعي في موقع جورنال الإخباري. وهو معد لبرنامج إذاعي يبث من إذاعة محلية بمحافظة كربلاء.
لمتابعة صالح الحمداني على تويتر، إضغط هنا. وعلى فيسبوك إضغط هنا.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.