بقلم إلسي مِلكونيان:
"الاندماج في مجتمع جديد يتعلق بالمؤهلات العلمية والعملية وطبيعة شخصية الوافد أو اللاجئ". بهذه العبارات يحكي الشاب السوري جهاد جذبة لموقع (إرفع صوتك) خلاصة تجربته في الإندماج بالمجتمع الألماني منذ سفره إلى برلين في 2013.
وجهاد هو عازف لآلة الكمان وخريج المعهد العالي للموسيقى في دمشق. غادر بلاده بسبب تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية هناك وقصد ألمانيا بغرض اللجوء. نجح وزملاؤه في فترة قياسية، وبجهود جبارة، في تأسيس "أوركسترا المغتربين السوريين الفلهارموني" في ألمانيا والتي ضمت عازفين لاجئين سوريين يعيشون في دول أوروبية مختلفة، إلى جانب مغتربين سوريين يسكنون في أوروبا منذ فترة بعيدة.
اقرأ أيضاً:
لاجئون إثيوبيون في اليمن يروون معاناتهم
أعمال إرهابية خوّفت الأوروبيين من اللاجئين السوريين
ونالت الأوركسترا الحديثة العهد إعجاب الجمهور الألماني، كما اجتذبت أضواء الإعلام في فترة قياسية. وعلى إثرها، شرع جهاد بتثبيت أقدامه في الحياة الموسيقية الألمانية وبات يتلقى عروضاً لحفلات موسيقية، يعزف في كل مرة بإطار وأسلوب جديد ومع فرق صغيرة (مكونة من أفراد عائلته) وأخرى أكبر.
يقول جهاد إن "سر الاندماج (والذي يمهد للنجاح المهني) تقع مسؤوليته على اللاجئ أو الوافد، إذ عليه أن يثبت أنه قادر على إعطاء قيمة جميلة لعمله، لكي يقابل بالترحاب من قبل مواطني البلد المضيف".
لكن هل تنطبق تجربة جهاد على غيره من اللاجئين العرب الذين غادروا بلدانهم هرباً من ويلات الحروب؟ وعلى من تقع مسؤولية الاندماج أصلاً؟
مفهوم الاندماج
تذكر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقريرها "بداية جديدة" حول اندماج اللاجئين في أوروبا، عدم وجود إجماع على تعريف مفهوم اندماج اللاجئ أو المغترب في الدول المضيفة. لكنها تحدد أن عملية اندماج اللاجئ في مجتمع جديد هي عملية تفاعلية تقع مسؤوليتها على الطرفين: اللاجئ نفسه والبلد المضيف. وتتم عملية الاندماج وفق ثلاثة أبعاد رئيسية وهي:
- البعد الحقوقي: أن يتمتع اللاجئ بحقوق تجعله متساوياً مع باقي المواطنين. وتشمل هذه الحقوق حرية التنقل والتعليم وإمكانية دخول سوق العمل وخدمات صحية حتى يستطيع الشخص أن يحصل على حق الإقامة الدائمة.
- البعد الاقتصادي: أن يصبح الشخص قادراً على أن يعتمد مالياً على نفسه وأن يصبح قادراً على المساهمة في الحياة الاقتصادية للبلد المضيف.
- البعد الثقافي والمجتمعي: أن يحاول اللاجئ التأقلم مع المحيط الجديد وأن تقوم المجتمعات المحلية باحتواء اللاجئين بحيث لا يشعرون بالتمييز أو العنصرية.
الاندماج في أوروبا
واستقبلت دول أوروبا أعداداً كبيرة من مواطني الدول العربية ومنحتهم حق اللجوء، من دون أن يلزمها الاتحاد الأوروبي بتطبيق سياسات معينة لتحقيق اندماج اللاجئين في مجتمعاتها.
لكن في الواقع لم تقم الدول الأوروبية بتحمل المسؤولية تجاه اللاجئين بشكل متساو. فقد تعاملت مع المشكلة بشكل "فوضوي". منها من أغلق الحدود في وجه اللاجئين، ومنهم من ألقى المسؤولية على دول الجوار لاستقبالهم، حسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش بعنوان "إندماج اللاجئين في أوروبا هو التحدي القادم".
ويوضح مؤشر سياسة إدماج اللاجئ في 2014 والذي شمل 38 دولة أوروبية التباين الذي أشار إليه تقرير المنظمة. فحصلت كل من السويد والبرتغال على المرتبة الأولى، تبعتهما فنلندة ثم النرويج وبلجيكا.
من المسؤول؟
وقيّمت نتائج دراسة لأوضاع اللاجئين قامت بها الصحافيتان أنابيلا شترن وبريندوسا ناستاسا لحساب مشروع (ريبورترز إن ذا فيلد) في كل من هولندا وتركيا وفرنسا واليونان جوانب التقصير من قبل اللاجئين والدول التي قامت باستقبالهم. إذ أجرت الصحافيتان مقابلات مع لاجئين، ومسؤولين عن مخيمات اللجوء، وخبراء في السياسة والاقتصاد. وتوصلتا إلى أن الاندماج الكامل للاجئين في المجتمعات لم يتحقق بعد، ولاحظتا الأمور التالية:
- لكل دولة أسلوب مختلف في التعامل مع اللاجئين. في هولندا وفي مخيم كاليه في فرنسا يتلقى اللاجئون معاملة جيدة (مقارنة مع حالة اللاجئين في دول أخرى). فقد وفرت لهم السلطات متطلبات الحياة الأساسية من مسكن، ومدارس لتعليم اللغة، وضمان صحي.
أما في دول أخرى كتركيا يواجه اللاجئون تحديات كبيرة. تقول الصحافية بريندوسا لموقع (إرفع صوتك) "استقبلت تركيا عدداً كبيراً من السوريين. كثير منهم لا يعيش في المخيمات، بل في المدن. ولكنهم لا يملكون وسائل تساعدهم على كسب رزقهم، لأنهم يواجهون صعوبة كبيرة في الحصول على تصاريح عمل. ولا تكافح السلطات التركية أيضاً ظاهرة عمالة الأطفال التي يضطرون للعمل لمساعدة ذويهم على تأمين المعيشة".
-أما من جهة اللاجئين، فهناك تباين أيضاً في التعاطي مع المشكلة. على الرغم من أن الانتقال إلى بلد جديد ليس بالأمر السهل ولكن الأطفال يمتلكون قدرة أكبر على التكيف. تقول أنابيلا لموقع (إرفع صوتك) "فوجئت لما رأيت أطفالاً سوريين في هولندا يتكلمون الهولندية بشكل جيد، وخلال سنتين من إقامتهم في هذا البلد. لكن الاندماج يبدو صعباً لأولئك الذين تزيد أعمارهم عن 50 سنة". وتضيف أن كبرى المشكلات التي تعانيها هذه الفئة هي صعوبة تعلم اللغة وعدم قدرتهم على مطابقة شهادتهم العربية مع الشهادات الأوروبية.
-كما تختلف رغبة اللاجئين في الاندماج حسب البلد الذين يعيشون فيه. في هولندا مثلاً يظهر اللاجئون رغبة كبيرة في الاندماج بالمجتمع الهولندي، على عكس ما يجري في مخيم كاليه، حيث يرغب معظم اللاجئين هناك بالمغادرة إلى بريطانيا على الرغم من الخدمات والمزايا التي تمنحهم إياها الدولة الفرنسية.
وتواجه اليونان حالة مماثلة من عدم اكتراث اللاجئين بالاندماج لأنهم يعتبرونها محطة أو بوابة لدول أوروبا الغربية
*الصورة: تختلف رغبة اللاجئين في الاندماج حسب البلد الذين يعيشون فيه/ Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659