صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

يعيش عبد الله مومي عمر، وهو لاجئ إثيوبي منذ نحو 16 عاما في العاصمة اليمنية صنعاء، ظروفا معيشية صعبة في ظل عدم حصوله على فرصة عمل دائمة يستطيع من خلالها توفير ما يسد به رمقه، ورمق أفراد أسرته المكونة من زوجة وخمسة أطفال.

وضاعفت الحرب الدائرة في اليمن منذ 18 شهراً معاناة عبد الله، الذي بات يشعر بقلق شديد على مستقبل أطفاله الذين ربما لن يكونوا قادرين على إكمال تعليمهم، بعد توقفه وزوجته عن العمل، جراء استمرار الصراع الدامي الذي أصاب البلاد بالشلل التام.

عناء

وإلى ما قبل حزيران/يونيو 2015، كان عبد الله الذي وصل إلى اليمن عام 1999 عبر رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر، يعمل لصالح شركة نظافة خاصة في مستشفى وسط صنعاء، حيث يجني 40 ألف ريال (حوالي 133 دولار) شهرياً، بينما كانت زوجته تعمل خادمة في أحد المنازل قبل أن يغلقه مالكه الذي نزح بسبب الحرب.

اقرأ أيضاً:

أعمال إرهابية خوّفت الأوروبيين من اللاجئين السوريين

لماذا يحتفظ هذا الطفل العراقي بصور التفجيرات الإرهابية؟

والآن يحاول عبد الله، الذي يقطن منزلاً شعبياً مكوناً من غرفتين صغيرتين، جنوبي شرق صنعاء، جاهداً التأقلم مع وضعه الصعب، حيث عليه أن يدفع مبلغ 15 ألف ريال (حوالي 50 دولار) كإيجار للمنزل شهرياً، بالكاد يستطيع توفيرها.

“ظروفي المعيشية صعبة جداً، أحياناً أحصل على عمل وغالباً لا”، يقول مومي الذي تبدو على وجهه ملامح العناء، لموقع (إرفع صوتك).

غياب المساعدات

ومثل معظم اللاجئين الإثيوبيين في صنعاء، يشتكي مومي من target="_blank">غياب مساعدات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

وباستثناء “شهادة اللجوء” التي منحتها له مفوضية اللاجئين قبل سنوات، يقول إنه لم يحصل من المنظمة الأممية سوى على مبلغ 540 دولاراً خلال الثلاثة الأشهر الأولى التي أعقبت اندلاع الحرب الأخيرة.

ورغم ذلك يطالب المنظمة الأممية بتحمل نفقات إجراء عملية جراحية لطفله (عادل، 12 عاما) المريض “بعيب خلقي في مجرى البول، يتسبب في تبوله على نفسه لا إرادياً”.

أرقام

وتذهب تقديرات الأمم المتحدة إلى وجود قرابة مليون و200 ألف ما بين لاجئ ومهاجر غير شرعي. وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في صنعاء، فإن عدد المسجلين منهم يبلغ 278,005 في اليمن، بينهم 13,436 أثيوبيون. ويعيش هؤلاء في مختلف المحافظات في اليمن، لكن معظمهم يتواجد في المدن والمناطق المحيطة بعدن وصنعاء.

ولم يحد النزاع المتصاعد من تدفق آلاف اللاجئين من القرن الأفريقي إلى هذا البلد العربي الفقير، إذ تشير بيانات أممية إلى وصول أكثر 61 الف لاجئ جديد خلال النصف الأول من هذا العام.

ويفرض تدفق اللاجئين target="_blank">مزيدا من الأعباء المعيشية والأمنية، في وقت تتحدث فيه الأمم المتحدة أن 21 مليون يمني، أي ما يعادل 82 في المئة من السكان “بحاجة إلى مساعدة”.

وخلّف النزاع المسلح في اليمن نحو 10 آلاف قتيل وثلاثة ملايين نازح.

توطين

وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، قد دعا في كلمة أمام قمة الأمم المتحدة للاجئين والمهاجرين في نيويورك الإثنين (19 أيلول/سبتمبر 2016) إلى دعم بلاده لمواجهة هذه الأعباء، وأكد أن “اليمن يعامل اللاجئين كيمنيين”.

لكن مختار محمد، وهو لاجئ أثيوبي في اليمن منذ 1997، قال لموقع (إرفع صوتك)، إن حديث هادي عن معاملة اللاجئين كيمنيين “غير دقيق”.

وأكد أن هناك تمييزاً حتى بين اللاجئين “إذ يحصل الصومالي على بطاقة لاجئ من الجوازات اليمنية، وعندما نطالب بالمثل يقال لنا أنتم تحت إشراف مفوضية اللاجئين”.

ولم ينس مختار، 55 عاما، الذي عمل ممرضاً لصالح شركة خاصة، لمدة عامين في مستشفى بصنعاء، الإشارة إلى تعرض اللاجئين للامتهان.

“أحيانا نأكل أنا وأطفالي وجبة واحدة في اليوم”، يقول مختار، مضيفاً “ليست هذه الحياة التي كنت أحلم بها”.

ويؤكد مختار، وهو أب لثلاثة أطفال “نطالب الأمم المتحدة بمساعدتنا في ظل هذه الظروف”.

ولا يخفي رغبته بالتوطين، كونه لا يفكر بالعودة إلى بلاده.

“عودتي ستكلفني حياتي، هاجرت عقب تعرضي لتنكيل عنصري كوني انحدر من شعب الأورومو”، إحدى أكبر العرقيات في إثيوبيا.

مأساة

في منزل صغير جنوبي صنعاء، يعيش الإثيوبي جوهر إبراهيم، الذي اضطر للهجرة من بلاده إلى الصومال عام 1995، قبل أن تجبره الأوضاع لاحقا على المغادرة لليمن في 2004 بحثاً عن واقع أفضل.

لم يقو جوهر على حبس دموعه، بينما كان يروي لموقع (إرفع صوتك)، معاناته مع مرض أطفاله الأربعة (ثلاث بنات وولد)، وعدم قدرته على توفير تكاليف علاجهم.

“ولدوا جميعاً باليمن وهم مصابون بالصم والبكم”، يقول الأب، 42 عاما.

وأضاف “الأطباء في صنعاء قالوا إنهم يجهلون سبب الإعاقة، لكن مستشفى خاص طلب مني 25 ألف يورو على كل طفل لإجراء عملية”.

“مجرد التفكير بأن مستقبلهم انتهى يقلقني”، تابع جوهر الذي يعمل منظف سيارات قبل أن يجهش بالبكاء.

وأشار إلى أنه قدم تقاريرهم الطبية لمفوضية اللاجئين لمساعدته في تكاليف العلاج، لكنه لم يتلق أي رد.

الأكبر

ويتجنب غالبية اللاجئين الإشارة تلميحاً أو تصريحاً إلى ما قد يثير غضب السلطات والجماعات المسيطرة في البلاد، لكن فرحان عبد الله، 16 عاما، الذي ولد في اليمن، من أبوين إثيوبيين، يقول لموقع (إرفع صوتك) إن “العنصرية والتمييز هي المشكلة الأكبر”.

*الصورة: أطفال اللاجئ الإثيوبي جوهر ابراهيم محمد/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".