مصر - بقلم الجندي داع الإنصاف:
يراودها الحنين للوطن ويزداد اشتياقها إلى أهلها ومنزل عائلتها الفخم بالموصل المحاط بالورود والخضرة والذي عاشت فيه أجمل أيام وسنوات عمرها مع زوجها الذي كان يعمل مديرا بإحدى الشركات الكبرى، وابنها وابنتها وحمويها المسنين.
وأكثر ما تشتاق إليه نادية، السيدة العراقية التي لم تُرد ذكر أسمها كاملاً خوفاً على أفراد عائلتها الذين ما زالوا يعيشون بالعراق، هو جلسات السمر التي كانت تجمع أفراد عائلتها على مائدة الحب والمودة، وعلى أنغام والد زوجها عازف الكمان الهاوي.
تروي نادية لموقع (إرفع صوتك) تجربتها مع تنظيم داعش الذي قلب حياتها وحياة أسرتها رأسا على عقب وجعلهم يعيشون على حافة الخطر بشكل دائم بعد أن دخل التنظيم الموصل في يونيو/حزيران 2014 فحولها إلى دمار وفوضى.
إرهاب داعش.. وقرار الفرار
تقول نادية إنّ زوجها قرر الفرار بالعائلة من العراق بعد أن رأوا الموت بأعينهم مرات عديدة نتيجة أفعال تنظيم داعش من ناحية، وحينما بدأت الصواريخ من ناحية أخرى تتساقط على الموصل خلال الضربات التي كانت تنفذ ضد التنظيم "والتي لم تكن تفرق بين المناطق التي يتواجد بها الدواعش وبين المناطق السكنية للمدنيين".
وتتابع نادية "كان منزل عم زوجي من ضمن المنازل التي تم تدميرها بصاروخ أودى بحياته وحياة ابنه الأصغر، وخرجت زوجته بتشوه في جسدها وتم بتر الرجل اليمني للابن الأكبر نتيجة تساقط المنزل عليهما".
وهنا يخيم الصمت على المكان وتشرد نادية قليلاً وكأن شريط ذكرياتها الأليمة يمر أمام عينيها، قبل أن تشير إلى أن كل هذه الأحداث أصابت أفراد العائلة بأزمات نفسية شديدة خاصة الأبناء وجدّهم وجدّتهم "فما زالت نفسيتهم سيئة جداً حتى بعد أن تركنا الموصل بحثاً عن أماكن آمنة بعيدة عن مناطق الضرب والمواجهات والحرب".
وتقول إن قرار الفرار إلى مصر أتى "بحثاً عن الأمان ولأنها بلد الأزهر".
رحلة الهروب.. مخاطر وأزمات
لم يكن الخروج من الموصل أمراً سهلاً فقد كانوا بحاجة إلى موافقة تنظيم داعش لاجتياز نقاط التفتيش الخاصة به، وكان من الضروري أن يكون لديهم عذر قاهر لتبرير الخروج، فاصطنعت عائلة نادية تقريرا طبياً لوالد زوجها يستدعي دخوله المستشفي بشكل عاجل.
وبدأت رحلة السفر التي مروا خلالها بأكثر من محافظة في طريق صعب وتكلفته المالية والبدنية والنفسية عالية، كما تقول نادية، فقد استغرق الوصول إلى بغداد أكثر من 20 ساعة، أي أربع أضعاف وقت الرحلة في الظروف العادية، بالإضافة إلى أنهم دفعوا لسائق الأجرة مبلغا باهظا يناهز الألف دولار أميركي (مليون وربع المليون دينار عراقي) ليصلوا إلى تجمع السيارات بمدخل بغداد لتقوم القوات الأمنية بتفتيشهم مرة أخرى قبل السماح لهم بالمرور.
"دخلنا بغداد واستكمالا للمعاناة فقد أمضينا يومين كاملين بالمطار لنتمكن من الحجز على الطائرة المتوجهة على القاهرة".
حنين لا يغيب للوطن
تشير السيدة نادية إلى أنه بمجرد وصولهم لمصر، شعروا بالامتنان والسكينة لوصول العائلة بسلام وبدأت رحلة زوجها في البحث عن عمل لإيجاد مورد رزق يدر دخلاً شهرياً "يكفينا شر الحاجة والسؤال إلى أن تمكن من الحصول على عمل بإحدى الشركات المصرية الخاصة".
وتقول السيدة "نحاول التغلب على شعورنا بالغربة عن أوطاننا التي أُجبرنا على تركها بسبب إرهاب الدواعش الذي اضطرنا إلى تغيير مسار حياتنا من خلال اجتماعنا كعراقيين مقيمين بالقاهرة في كل المناسبات لنتابع أخبار وطننا ولكي لا نشعر بأننا منعزلون عنه".
"نحن مشتاقون للعودة إلى العراق وأهلنا هناك ومستعدون للعودة إليه حين تحين الظروف وتستقر الأوضاع حتى ولو كانت العودة سيرا على الأقدام، فالوطن يبقى وطناً مهما زاد فيه الألم، وتبقى الغربة كربة ولو ارتقى فيها السكن".
*الصورة: عراقيون على درب الفرار من داعش في الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659