الأردن – بقلم صالح قشطة:
على أطراف أحد أسواق الخضار الواقعة في العاصمة الأردنية عمّان، يشير أحد الباعة إلى امرأة تُدعى "أم كِنان"، تفترش الأرض ببعض أطباق الفواكه المجففة التي اعتادت على تجفيفها وتحضيرها لعائلتها في وطنها سورية.
مأساة أم كنان
لكن المرأة اليوم تبيع هذه الفاكهة علّها تستطيع من خلالها تأمين لقمة عيش تكفيها. وبعد تردد طويل، وافقت السيدة على إخبار قصتها لموقع (إرفع صوتك) قائلة "أتيت كما أتى كثير من أبناء بلدي إلى هنا".
وتابعت أم كنان بتهكم "لم نستطع أن نتحمل شدة الفرح التي كنا نعيش بها في سورية، فقررنا اللجوء!"، لتدخل في حالة من الصمت التام للحظات. ولم يكسر صمتها سوى صوت سرب من الطيور حلّق من فوقها، رمقته بنظرة لتعود إلينا بحديثها "ما الذي يفترض أن أخبركم عنه بعد أن خسرت أعز ما أملك في هذه الدنيا؟".
وعادت السيدة لترتيب الأطباق الموجودة أمامها في مشهد أقرب ما يكون إلى طفل يلهو بترتيب ألعابه بعالمه الصغير، وسرعان ما عادت للحديث باشمئزاز شديد "أشكالهم نتنة وذقونهم طويلة وجدائلهم عفنة، كانوا متجمهرين على باب منزل أخي المقابل لمنزلنا، ليخرج من بينهم فتى صغير لا يتجاوز الـ16 من عمره، وقد غمرته السعادة ونشوة الانتصار مهللاً مكبراً (الله أكبر)! لكنه يمسك شيئاً بيده! إنه يمسك رأس أخي أحمد من دون جسده! يمسكه من شعره، ودماؤه الطاهرة تسيل على الأرض".
انهمرت دموع أم كنان وهي تتمتم بحرقة المظلوم الموجوع "حسبي الله على داعش وعلى دين داعش، كل ذنب أخي أنه قاومهم عندما أرادوا اختطاف ابنته الطفلة التي لم تتجاوز الـ13 من عمرها لتزويجها بأحدهم الذي يتجاوز عمره 40"، لتقول بحسرة وألم "وهو ما تم فعلاً بعد قتل أبيها واختفاء أخيها"، لتعود لصمتها مشيرة لنا بأن نرحل.
لا ماء ولا غذاء
كما تتحدث أماني خلدون إلى موقع (إرفع صوتك)، وهي نازحة سورية قادمة من إحدى المناطق القريبة من دمشق، عن خسارتها لمنزلها بسبب الإرهاب والصراع المسلح والتهديدات العديدة التي حماهم النزوح منها، رغم أن طريق نزوحهم لم يكن مفروشاً بالورود. فالتهديدات طالتهم أثناء نزوحهم كذلك عندما اعترض مسلحو الجماعات الإرهابية طريقهم فاضطروا لسلوك طرق بديلة مشياً على الأقدام إلى الحدود الأردنية، وهي طرق محفوفة بالمخاطر، لا ماء ولا غذاء ولا دواء فيها.
وعلى حد تعبيرها فإن أقاربها يعيشون معاناة تتجاوز معاناة تدمير منزلهم أو قتل أحد ذويهم، فقد اختفى عدد من أفراد عائلة زوجها في ظروف مختلفة، وباتوا مجهولي المصير حتى اللحظة "خلال الصراع وفي إحدى أيام احتدامه اختفى شقيق زوجي وأحد أفراد عائلتنا ولم نجد لهما أي أثر، حاولنا البحث عنهما كثيراً ولم نعرف عنهما أي شيء يذكر".
وتتابع المرأة حديثها "سعيدة أن أطفالي ما زالوا سالمين وأنهم تمكنوا من النجاة معنا، لكن سعادتنا لم تكتمل عندما سقطت إحدى القذائف على منزل شقيق زوجي وأردت طفله قتيلاً"، واصفة حياتهم بأنها باتت محاطة بالمآسي من كل الجهات، لا سيّما أن فصول قصتهم لم تتوقف عند هذا الحد، لتواصل روايتها "بعد فترة اختفت زوجة شقيق زوجي وطفليها، ولا نعلم إن كانوا على قيد الحياة أم أنهم قُتلوا، أم أن السيدة تم سبيها على يد أفراد التنظيمات الإرهابية كما حدث مع كثير من النساء هناك".
حالة مأساوية
وتصف أماني حالة والدة زوجها بعد كل ما عانته من فقد لأفراد أسرتها "حتى اليوم تعيش حالة مأساوية لا يمكن تخيلها مع زخم ما أصابها من ألم وفقدان لأبنائها وأحفادها، وحتى هذه اللحظة لم تستطع تقبل هول تلك المصائب، ولا تزال ترفض مقابلة أي شخص غريباً كان أم قريباً، وهي في حالة بكاء متواصل ليلاً نهاراً، وكلما حاولنا مواساتها ازدادت حالتها سوءاً، ما مرت به ليس سهلاً على الإطلاق".
وتشير إلى أن أطفالها تأثروا أيضاً بكل ما شاهدوه من مراحل الصراع، وأن طفلتها الصغرى تعرضت لنوبة من الذعر الشديد لدرجة أفقدتها النطق بسبب شدة القصف في إحدى المراحل، وأنها بقيت في حالة من الصراخ الدائم، واستمرت بهذه الحالة حتى بعد نزوحهم إلى الأردن، لتضيف "وتعرضت أيضاً ابنتي الكبرى وابني إلى انهيارات عصبية عديدة، وأصبح الخوف يسيطر على حياتهما، وها هم يتحسنون تدريجياً".
*الصورة: لاجئات سوريات وأطفالهن في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659