المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

في قرية نائية في نواحي مدينة تاونات شمال شرق المغرب، يقضي الإمام الشاب محمد لمرابط، 28 عاماً، يومه في مسجد القرية، يؤم المصلين من أهلها ويعلم الصغار والشباب أصول الدين والمعاملات التي جاءت في الدين الإسلامي.

كثيرون من أهل القرية يلتحقون بالمسجد بعد قضاء أعمالهم اليومية، شيوخ كبار وشباب من مختلف الأعمار يلتفون في جلسة يديرها إمام المسجد الشاب الذي أصبح واحدا منهم "بسبب ثقافته الدينية العالية وقدرته على شرح أمور الدين التي أصبح كل من هب ودب يدلي بدوله فيها"، حسب ما يصفه زكريا، أحد المترددين للمسجد.

فهم الدين أولا

يقول الإمام الشاب إن أهل قريته التي تغلب عليها الأمية، لا يتوفرون على مستوى معرفي أو ثقافي كافٍ يسمح لهم بفهم تعاليم الدين بشكل صحيح، إذ أن أغلبهم يستمد ذلك من بعض الشيوخ الذين يزرعون الأفكار من دون رقيب، ما يجعلهم عرضة للتأثر بهم دون فهم جيد.

ويضيف لمرابط "رأينا مؤخرا كيف استطاع تنظيم داعش أن يزرع أفكاره المتطرفة في عقول الشباب في مختلف بقاع العالم، والمغرب لم يكن بمنأى عن ذلك حيث اختطف الجماعات المتشددة خيرة الشباب من أسرهم، بعد إيهامهم بصواب الجهاد وقتل الأبرياء قصد دخول الجنة".

يختلف حضور الناس إلى الجلسات باختلاف أيام الأسبوع، فتارة يتجاوز الحضور 20، وتارة يقل عن ذلك، كل حسب ظروفه، يقول الإمام الذي لا يتخلف عن موعد دروسه اليومي.

وعن التأثير الذي أحدثه لمرابط منذ قدومه لمسجد القرية قبل ثلاث سنوات، يقول الإمام إنّه ساهم في تصحيح عدة مغالطات حول الإسلام، تتركز أغلبها في موضوع الجهاد وقبول الآخر المختلف بسبب دينه.

يتأثر شباب اليوم بما يرونه في وسائل الإعلام المختلفة من أفكار تغذي فيهم الحماسة للتغيير ولو على حساب النفس والأبرياء، وهذا ما يلفت إليه الإمام الشاب، قائلاً "خير دليل على ذلك ما نسمع من التحاق لشباب في مقتبل العمر بداعش للقتال في صفوفه بذريعة الدفاع عن الإسلام ونصرة الحق، والحال أن الإسلام لا ينصر بقتل الأبرياء، بل بالالتزام بتعاليمه السمحة وتقبل الاختلاف".

ضد غسل الأدمغة

زكريا شاب عشريني يواظب على حضور الجلسات التي تبتدئ بعد صلاة المغرب وتنتهي مع رفع آذان العشاء، وجد ضالته في الاستماع لدروس ومواعظ الإمام الشاب، حيث يقول الشاب لموقع (إرفع صوتك) "كنت بحاجة لمن ينير سبيلي بعدما اختلطت عليّ أمور لم أجد لها تفسيرا في الدين، فمستواي التعليمي لا يسمح لي بالفهم الجيد لبعض الأمور التي تخيفني، وإمام القرية يسر عليّ ذلك".

ويضيف زكريا أنه تعلم وفهم الكثير من الأمور الدينية على يد الإمام الذي فتح أمامه طريق البحث عن ما يروجه الإرهابيون حول الإسلام، إضافة إلى ما تجذر في ذهنه من أفكار على يد شيوخ الفضائيات الذين غسلوا أدمغته وأقرانه من الشباب الباحث عن المعرفة بأمور تضره أكثر مما تنفعه، كما يقول محمد.

يساعد الإمام  الحاضرين على فهم أمور الدين عبر تبسيطها وتيسيرها "حتى لا نكون ضحية للتغرير الذي تنهجه الجماعات المتشددة"، التي يشير زكريا إلى أنها تقدم للشباب وعودا ومغريات مادية بمبررات دينية، وتقذف بهم إلى بؤر التوتر في سورية والعراق، كما هو حال الكثير من الشباب المغاربة الذين التحقوا بداعش خلال السنوات الماضية.

شرح الدين بيُسر

"داعش سلب العقول بادعائه أنه جاء لنصرة الاسلام والمسلمين، والحال أنه يشوه صورة هذا الدين البريء، فمتى أمر الاسلام بقتل الأبرياء بطرق بشعة كتلك التي يطل بها علينا إرهابيو هذا التنظيم تحت راية مزيفة لا تمت بصلة إلى ديننا الحنيف؟"، يسأل أبو أيمن الذي يحضر مرارا رفقة ابنه لمسجد القرية قصد التعلم.

يقول أبو أيمن الذي تجاز عقده الخامس، في حديثه لموقع (إرفع صوتك)، "أصبحنا نفهم ديننا بطريقة سلسة وميسرة عوض أساليب الترهيب والتشدد التي كنا نشاهدها في قنوات التلفزيون".

ويشير إلى أن الإمام الشاب يساعدهم على إظهار تناقضات الخطاب المتطرف وعلاقته بالدين، كمثال ما يروج له داعش عن كونه أتى للدفاع عن الدين، "حيث يوضح لنا الإمام أن ذلك لا علاقة له بالإسلام جملة وتفصيلا بالدليل القاطع".

ويرى أبو أيمن أن الشباب في المغرب بحاجة إلى التوعية الدينية وفهم الدين بشكل صحيح، حتى لا يصبحون رهينة التأويلات المتطرفة التي تصور القتل والإرهاب جهادا في سبيل نصرة الدين. كما يدعو أبو أيمن الأئمة المغاربة إلى نشر الوعي الديني الصحيح بطرق ميسرة تسمح للأمي والمتعلم بالفهم الصحيح والعميق.

*الصورة: جامع حسن الثاني في المغرب/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".