الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

"تهاوت أحلامنا وكل ما بنيناه في رمشة عين"، تقول أم أيمن لاجئة سورية في الجزائر من منطقة دير الزور.

تصمت قليلاً قبل أن تتنهد وتقول "لقد دمر داعش حياتي ومستقبل أطفالي بقصفه بيتنا قبل سنتين".

أم أيمن واحدة من بين مئات السوريين المتواجدين بالجزائر. تمكن موقع (إرفع صوتك) من الحديث إلى بعضهم والاستماع إلى رواياتهم التي تعكس انتقالهم المأساوي من "تحت نيران النظام السوري إلى إرهاب داعش الأعمى الذي لا يفرق بين صغير وكبير، ولا رجل وامرأة"، كما تؤكد شيماء، وهي أم لثلاثة أطفال وجدناها على أحد أرصفة مدينة باب الزوار بالعاصمة الجزائر تسأل المارّة طيب العطاء.

وتروي شيماء التي لم ترغب في الكشف عن اسمها الثلاثي، كيف انتقلت من حال صعب مع بداية ثورة الشعب على النظام إلى أصعب، مع دخول تنظيم داعش المعترك وفرض منطقه الظلامي بلغة الحديد والنار.

"كنت أعيش بشكل طبيعي مع زوجي الذي توفي لاحقا خلال انفجار بالمنطقة التي كنت أسكنها، قبل أن تنقلب حياتي وأطفالي رأسا على عقب".

بكت شيماء كثيرا قبل أن تستطيع لملمة جراحها وتصر قائلة باللهجة السورية "إي والله يلّي خلق الكون ما راح أسامحن".

لا أفكر في المستقبل

نبيل الحلبي، رجل سوري أربعيني من مخيم اليرموك، تمكن من الدخول إلى الجزائر لاجئا لكنه ترك وراءه أمه وأختيه إلى حين ترتيبه الوثائق اللازمة لدخولهن الجزائر.

"عن أي حالٍ تتحدث؟ لم أعد أملك أي شيء، ضاع جهدي وكل ما بنيت لسنين".

كان الحلبي يملك متجرا لبيع لوازم الخياطة والعطارة قبل أن يدمر النظام منطقة البوكمال بدير الزور.

"خلال قصف النظام لمنطقتنا، فقدت كل شيء، لم أعد أملك لا بيت ولا حانوت، لم يبقى لدي ما أحافظ عليه هناك إلا أختاي وأمي"، يقول الرجل لموقع (إرفع صوتك) قبل أن يضيف ماسحا عرق الإرهاق و البؤس عن جبينه "لن يرتاح لي بال هنا، ما دمت ضيعت حياتي هناك، أنا بالجزائر من أجل البقاء فقط، لا أفكر في المستقبل".

 لم أمت ولست على قيد الحياة

سليم فايز ديبو لاجئ هو الآخر، لكنه يتميز عن سابقيه في كونه فقد جميع أفراد أسرته المكونة من الزوجة وأربعة أطفال إضافة إلى الأب المسن خلال قصف النظام لمنطقة دير الزور.

يقول لموقع (إرفع صوتك) إنّه لم يعد يأمل في الحياة وإنه قدم الجزائر من أجل أخته المريضة فحسب.

"فقدت الحياة ولم أمت، لقد أخذوا مني أعز ما أملك، فلذات كبدي ورفيقة دربي"، ثم أكمل قوله باكيا "لم تعد لدي أي رغبة في الحياة".

و تعرّض منزل الرجل الذي شيده من عرق جبينه مدة 10 سنوات كاملة، بداية سنة 2013 للاقتحام من طرف العناصر المسلحة التي طلبت من ديبو مبلغا ماليا لتأمينه وعائلته، ثم للقصف من طائرات النظام، وهو الآن "ركام يحمل آلامي وأحلامي التي دفنت معه" كما يتنهد الرجل ويقول.

ويؤكد محمود منصور من منطقة اللاذقية أنه لم يكن يتخيل يوما أن يصل به الوضع إلى هذا الحد، حيث كان صاحب مؤسسة صغيرة تعمل في مجال التعليب الصحي وتشغّل أكثر من 15 شابا قبل أن يتحول إلى طالب إعانة هنا بالجزائر.

"أصبحت أتسول بعدما كنت صاحب مؤسسة، لا يمكنني العمل هنا بالجزائر وأنا لاجئ، علي تدبير أموري لسد حاجات زوجتي وابنتي.. آخر وأعز ما أملك"، يقول لموقع (إرفع صوتك).

قد تختلف حكايات اللاجئين السوريين هنا بالجزائر لكن الجميع يشكي تحول حياته  المأساوية بعد نشوب الصراع بين النظام والمعارضة ثم تعفن الوضع بدخول داعش، وهو ما أجبر أغلبهم على المغادرة وترك الغالي والنفيس.

12 ألف لاجئ

على امتداد أحياء دالي إبراهيم والشراقة وشوفالي مرورا بسيدي فرج واسطاوالي، تجد عشرات السوريات على أطراف الأرصفة يسألون الناس ما يمكن الجود به، حالهن يندى له الجبين ولو تقربت منهن للحديث عن حاضرهن يعدن بك إلى الماضي القريب حيث كن يتمتعن بما هو متاح للمواطن الجزائري من الطبقة المتوسطة ولسان حالهن أنهن لسن متسولات. "كنا مثلكم نملك بيوتا لولا جرائم داعش والنظام"، قالت إحداهن.

وبحسب الهلال الأحمر فإن عدد اللاجئين السوريين المتواجدين بالجزائر يقدر بـ12 ألف لاجئ موزعين على مختلف المحافظات الشمالية على وجه الخصوص.

وخصصت الجزائر مركزا لاستقبال اللاجئين السوريين بمدينة سيدي فرج الساحلية، لكن هؤلاء يشتكون ضعف الخدمات هناك والأغلبية يفضلون تدبير أمورهم بأنفسهم. وهو ما يفسر تواجد العائلات على أرصفة الطرقات السريعة مستفيدين من الاكتظاظ لطلب العون من أصحاب السيارات.

 *الصورة: لاجئون سوريون في الجزائر/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".