بقلم روماني شاكر:
تخيَّل أيها القارئ العزيز تلميذاً مسلماً في فصله. وما أن أتى ميعاد حصة الدين، حضر المعلِّم وقال: الطلاب المسلمين يطلعوا بره. فخرج التلميذ مع بقية التلاميذ المسلمين ولم يجدوا فصلاً يؤويهم. وفيما هم ينزلون عبر السلالم باتجاه فناء المدرسة، سأل معلمته: هانقعد فين يا مس؟ قالت المعلمة: هناخد الحصة في الحوش تحت. وإذا بمدرس مسيحي، تصادف وجوده على السلم أثناء نزول التلاميذ يقول للمعلمة: في ماتش كورة، فمش ها ينفع تاخدوا الدرس تحت. ممكن تاخدوه على السلم.
لم تجد المعلمة ما تفعله سوى أن تطلب من التلاميذ الجلوس على السلم لتبدأ الدرس.
تخيَّل أنك تصفحت منهج التاريخ أو التربية القومية، فلم تجد أي ذكر للحقبة التاريخية الإسلامية في مصر. فأمسكت بكتاب اللغة العربية، فوجدته محشوًا بآيات من الإنجيل، ولا وجود لآية قرآنية واحدة.
اقرأ أيضاً:
ثور يُجَرُّ إلى بقرة
عن “داعش” أو التدمير الممنهج للذاكرة
تخيَّل أنك خرجت من بيتك في الصباح الباكر للذهاب للعمل. وذهبت لموقف "الأوتوبيس" العام. وما أن ركبت "الأوتوبيس"، لم تسمع شيئاً سوى تلاوة آيات مسيحية.
تخيَّل أنك أردت أن تذهب لمسجد معروف في شبرا. فأخذت سيارة الأجرة (التاكسي) وسألت السائق إن كان يعرف المكان الذي تود الذهاب إليه. فأجابك: أيوه. بص يافندم، أنا هادخل شارع شبرا وهاخد تالت يمين اللي على ناصيته (لا مؤاخذة) مسجد، بعده هاخد شمال.
تخيَّل أنك تسكن في محافظة المنيا، حيث يكثر عدد المسلمين هناك. وفي أحد الأيام، تطاول بعض المارة من المسيحيين على أحد أفراد عائلتك وسبه بألفاظ نابية. وحاولت أن تنهاهم عن ذلك، لكنك لم تستطع. وسرعان ما تجمع عدد من الشباب يحملون الهراوات وأسلحة بيضاء، واعتدوا عليك وعلى قريبك بالضرب مما أدى لوفاته.
تخيَّل أن شائعة انتشرت في قرية مسلمة عن علاقة شاب مسلم بفتاة مسيحية. فغادر الشاب المسلم البلدة حفاظًا على حياته. فقام مسيحيون مجهولون بتهديد والدة الشاب المسلم. وعلى الفور تقدمت الأم ببلاغ بوجود تهديدات قبل الحادثة بيوم. إلا أن الأجهزة الأمنية لم تأخذ التدابير الأمنية الوقائية اللازمة حيال ذلك. وفي اليوم التالي، قامت مجموعة من المتطرفين بحرق خمسة منازل مملوكة لمسلمي القرية، بل وقاموا بتجريد سيدة مُسلمة مُسنة من ملابسها وجرِّها في الشارع وسط هتافات وتهليل مسيحيي القرية.
تخيّل أنك أردت أن تصلي في بيتك مع مجموعة من أصدقائك. وإذا بك تسمع أصوات وصرخات عالية بالخارج. وعندما خرجت لتتحرى الأمر، رأيت مشهداً في غاية البشاعة: مجموعات من المسيحيين يقذفونك بالطوب. وفجأة، ترى بيتك يشتعل من زجاجات مولوتوف التي كانت تلقى على بيتك. حاولت أنت ومن معك إطفاء النيران، لكنها كانت قد انتشرت في كل أرجاء البيت. وعندما طلبت النَّجْدَة من الشرطة والمطافئ والإسعاف، أتت الشرطة فقط بعد ساعتين من الحادث، بعدما أصيب 10 أشخاص وتضررت بيوت وممتلكات تخص مسلمي القرية.
تخيَّل أنك أبلغت الشرطة بالواقعة لكنها تقاعست عن أداء دورها في ضبط الجناة الذين تم تصويرهم وهم معروفون لديها. وفي اليوم التالي، يخرج عليك مسؤولون في الدولة ينكرون وقوع الحدث أصلًا محاولين تجميل الواقع الأليم الذي يعشيه المسلمون على شاشات التلفزيون بشعارات مكررة اعتدنا سماعها، وكأن شيئاً لم يكن.
تخيَّل أنك في خضم كل هذا تخرج عليك أصوات غريبة متعصبة تقول إنه ليس من حق المسلمين بناء مساجد لأن مصر بلد "مسيحية" وتحرض على عدم بناء الجوامع، بحجة أن ذلك يُعد إيذاء لمشاعر المسيحيين. ووصل التطرف بالبعض حد حرق بعض منازل المسلمين بسبب شائعة تحويل أحد المنازل إلى حضانة أطفال، بحجة أنها قد تكون مكانًا للتأثير على الأطفال المسيحيين وتحويلهم لمسلمين.
عزيزي القارئ، برجاء ضع كلمة "مسيحي" بدلًا من "مسلم" وكلمة "مسيحيين" بدلًا من "مسلمين" وكلمة "مسيحية" بدلًا من "مسلمة" وكلمة "كنيسة" بدلًا من "مسجد" وكلمة "كنائس" بدلًا من "جوامع"! ثُمَّ أعد قراءة المقال لتتعرف على معاناة المسيحيين في مصر. أعتذر لذلك، لكني أردت أن أضع تلك المواقف الشنيعة أمامنا ليختبر كلٌّ منّا وقعها الأليم على نفسه لو حدثت معه.
في النهاية، أود أن أردد على مسامعك كلمات البابا شنودة الثالث في خطاب شهير ألقاه عام 1978 بحضور الرئيس الراحل أنور السادات على أثر فتنة طائفية سابقة: أسوأ ما يأخذه الناس عن الدين أن يظن البعض أن الدين هو التعصب. ويظن أحدٌ أن محبته لدِينه تدعوه إلى كراهية الأديان الأخرى أو محاربتها. نريد الإنسان المتدين الذي يحب الجميع. لكل إنسان في قلبه مكان ومكانة، ولكل إنسان في قلبه منزل ومنزلة.
*الصورة: منظر الأفق عند الغروب في سماء القاهرة/Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659