بغداد – بقلم دعاء يوسف:

كانت حياة زاهر نوري تسير على ما يرام. لم يكن يهتم كثيرا لحوادث التفجيرات أو لظهور داعش. كان ذلك قبل أن يفقد خطيبته في حادث إرهابي.

مرحلة اليأس

يقول زاهر البالغ من العمر 27 عاماً، والذي يعيش في بغداد إنّه اكتشف بعد فقدان خطيبته أنّ العراقيين يعيشون في "مشكلة كبيرة اسمها داعش".

ويضيف متأثراً "فقدت خطيبتي ورفيقة حياتي المستقبلية في العام 2013. كادت أحلامي وطموحاتي أن تنهار".

وبسبب هذا الحادث، "صار عليّ المواجهة والتحدي من أجل بقاء كل حبيب مع حبيبته. وهذا ما يدفعني لمقاومة داعش".

ويشير إلى أن العديد من الذين تعرضوا لإرهاب داعش وصلوا إلى مرحلة اليأس، ويمكن لهذا الحال أن يؤدي أيضا إلى تدمير حياة من حولهم والتأثير على عائلاتهم، "وكلها أمور تساعد داعش على الاستمرار بقتلهم".

ويرى زاهر أن الاندماج مع الناس أو مساعدة الذين تضرروا من جراء الإرهاب للخروج من أزماتهم النفسية أو المادية قد تكون واحدة من طرق عديدة يمكنها أن تقاوم داعش.

"نشر مفاهيم السلام والمحبة بين الناس يدفعهم للابتعاد عن خلافاتهم والإصرار على أن يعم السلام يمكن أيضا أن يؤدي إلى القضاء على هذا التنظيم"، قال زاهر، الذي تطوّع أكثر من مرة لمساعدة ضحايا التفجيرات الإرهابية.

التعايش السلمي

أما عمار أكرم، 30 عاماً، والذي يعمل في محل لبيع الأجهزة الكهربائية، فيعتقد أن السلام مسؤولية كل عراقي وليس مسؤولية الجهات الحكومية أو الأحزاب السياسية وحدها.

كثيراً ما يحاول عمار الإجابة عن تساؤلات طفله التي دائما ما تتعلق بداعش والإسلام. فهذا الطفل الذي يدرس في مرحلة الثاني ابتدائي حاله كباقي الأطفال اليوم يطرحون أسئلة كثيرة ومتنوعة عن مدى علاقة هذا التنظيم بالدين الإسلامي؟

ويرى عمار أنّ هذه هي أصعب مهمة تواجهه في تعليم وتربية أطفاله. فهو يعاني في كيفية إيصال الفكرة بجواب لا يشوه الدين الإسلامي.

ويشير إلى أنّ مهمته كأب في مقاومة الإرهاب هي "الحرص على تعليم أطفالي أنّ داعش لا يمثل الدين الإسلامي".

ويتابع في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "كذلك أحثه على الاهتمام بالتعايش السلمي وخاصة مع زملائه في المدرسة من الأقليات والطوائف المختلفة لأن هذا جزء من مقاومة داعش".

ضحية لمذهب مختلف

لكن بعض الشباب يرون أن مقاومة داعش لن تنجح ما لم يُسن قانون يقضي بتجريم الطائفية. ومنهم الشاب غسان هاشم، 27 عاماً، الذي يقول إنّ "الطائفية هي السبب وراء قوة داعش، لأن هذا التنظيم دائما ما يثير النعرات الطائفية والعقائدية ليتقدم ويقوى".

ويضيف أنّ معضلة العراقيين اليوم تتمثل بأنّ "أفراد مذهب ما يجدون أنفسهم ضحية لمذهب آخر يعمد أفراده إلى توجيه تهم بالانخراط في صفوف داعش".

"الإرهاب ليس أكبر مشكلاتنا، بل توجيه الاتهامات لأبرياء بأنهم يساعدون أو ينتمون لهذا التنظيم لمجرد الاختلاف معهم في المذهب الديني"، قال غسان.

ويشير الشاب الذي يعمل سائق سيارة أجرة إلى أنّ الشيء الأكثر تفاؤلا هو أن الكثير ممن يقوم بإيصالهم في سيارته لم يستسلموا لمحاولات تفرقتنا.

"في الكثير من الأحيان تدور أحاديثنا حول الأيام الجميلة في بغداد وطبيعة الناس ومحبتهم وطيبتهم".

ويقول إنّه لن يجعل من نفسه عرضة للفشل من خلال محاولاته الكثيرة في إقناع كل من ينظر بطريقة سيئة  للآخر المختلف بأنّه مخطئ. "ولن أفقد الأمل في عودة هؤلاء لصوابهم".

المقاومة لا تقتصر على المعارك

بعض العراقيين، خصوصا الذين لم تتجاوز أعمارهم 20 عاماً، يرون في العمل التطوعي مقاومة لداعش. يقول حسن فاضل، 19عاماً، "كل الذين يشاركون في الحملات التطوعية هم بعمري".

ويشير حسن، وهو الآن طالب في كلية التربية الرياضية، إلى أنّ مقاومة داعش بالنسبة له لا تقتصر على المعارك والسلاح، بل تحتاج للكثير "لأن السلاح لوحده أثبت عدم فعاليته في كثير من الأمور".

"مهمتي هي التعاون مع كل من يرغب بمساعدة ضحايا الإرهاب والنزوح. وهذا ما يفعله أغلب الذين أعرفهم".

العنصرية والتطرف

ويعتقد كثير من الشباب العراقيين أن افكار العنصرية والتطرف من العوائق التي تقف ضد مهمة التخلص من داعش نهائياً. "التحدي الذي أمامنا الآن هو أفكار داعش"، يقول علي حكيم، 18 عاماً.

ويشير علي، وهو طالب في مرحلة السادس الإعدادي، إلى أنّ البعض من الذين بعمره ينظرون إلى الدين أو المذهب على أنّه "خط أحمر" لا يقبل المساس به.

"نحن بحاجة إلى وضع سياسات واضحة بشأن كيفية التعامل مع الذين يحملون أفكاراً عنصرية أو فيها طائفية"، يقول الشاب متابعاً "نحاول معاقبة الصديق الذي يتعامل وفق هذا المنظار من خلال مقاطعته لفترة والابتعاد عنه حتى يصحح أفكاره".

أنا أفعل ما يفعله غيري

أما أحمد قيس، 16 عاماً، فهو يعمد إلى منح نصف مصروفه اليومي (2000) دينار عراقي لصديقه علاء من دون علم والديه. يقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّ علاء لا يستطيع أنّ يشتري ما يريد ويشعر بالإحراج كلما توقفوا أمام محلات لبيع المأكولات وتقديمَ الوجبات السريعة. لأنه لا يملك المال الكافي للشراء. لذا قررت مساعدته.

علاء من عائلة نزحت من الأنبار في العام 2014، وسكنت مع ثلاث عائلات أخرى في بيت صغير مقابل بدل إيجار رمزي يحاول الجيران مساعدتهم في توفيره. "أنا أفعل ما يفعله غيري في المنطقة. أساعد النازحين"، يقول أحمد.

*الصورة: "أنا أفعل ما يفعله غيري في المنطقة. أساعد النازحين"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".