بقلم نورة شنار:
تعترف كل الديانات برابطة الزواج بين الجنسين، فهو القاسم المشترك الذي يؤمن الاستقرار والسكينة لهما. فالزواج هو اختيار تام بين شخصين لبعضهما وخضوع للولاء والمحبة التي سوف تولد بعد مضي حبر العقد. ولا يبطل سريان هذا العقد إلا إن ساءت الأحوال بينهما وتعسرت، فيلزم بطلانه حتى يتسنى لهما عيش حياتهما منفصلين.
ليست وجبة قلمي التي سوف يستعرضها لكم اليوم الزواج، إنما هي اختيار الزوجين ومن حرمهما. إنها مسألة جاهلية تسلسلت بالتقاليد التي نما عليها هذا المجتمع! الأم تبحث لابنها عن الزوجة التي تعجبها، وكأن ابنها سلعة يحتاج إلى فردة حذاء حتى يستطيع أن يكمل مشواره! فيا لجهل هذا الفرد الذي يجازف بتغيير حالته الاجتماعية من أعزب إلى متزوج مع زوجة لا يعرفها، بعدما يقع الاختيار على هذه المرأة التي يجهل حتى مساحة تفكيرها وتصرفاتها. ويظل الأهل في لحظة الزفاف يدعون لهما بالتوفيق حتى يتعايشوا بالتقاليد.
اقرأ أيضاً:
جنود إلكترونيون عراقيون يقاتلون داعش على صفحات التواصل الاجتماعي
أبرز 10 عمليات لمكافحة الإرهاب في المنطقة العربية
وهكذا، أصبحت زواجاتنا مقلدة وأبناؤنا سلعة مقلدة. ينجب الفرد حتى يضع اللحم على اللحم حسب تقاليدهم وجنسهم وقبليتهم، لا حسب النظرة والاختيار. ففي المجتمعات العربية نشأت هذه التوصية على أن يكون الولد لابنة عمه أو خالته وحتى لا يختلط الدم، ويحافظوا على هذه السلاسة التي بنيت منهم وفيهم. لا نستطيع أن نقول في تزاوجهم إكراه بل تنمية عاداتهم وتلقيمها لصغارهم حتى ينضجوا وهم متمسكون بهذه الخزعبلات: أن الزواج هي علاقة جنسية وتكاثر ومعيشة وليس حسب الميل واختيار التي تقع عليها العين ويودها القلب والعقل.
ومن هنا نشأت ظاهرة الزواج التقليدي الذي أنتج لنا أرقاماً هائلة من الطلاق في السعودية تحديداً. وفي كل سنة تزداد هذه الأرقام. وهي ليست حالة منعزلة. ففي المجتمعات التي تطبق هذا الزواج التقليدي أو "زواج تحت التجربة"، توجد أرقام هائلة من الطلاق. وهذه ضريبة غالية.
نصف الدين الزواج. وكيف يكمل الشاب أو الشابة نصف دينه وهم على يقين أنهم ليس لديهم حرية اختيار شريك الحياة؟ فخضوعهم هو تعبير خاطئ عن عدم رغبتهم. وينبغي أن لا يتدخل المجتمع في اختيار الشريك، خاصة وأنه حق من حقوق الفرد حتى ينعم بالاستقرار وعدم التخبط بعد الزواج. فعندما يرغب الشخص في البحث عن زوجة، قد يلجأ إلى ما يسمى "خطّابة " حتى تبحث له عن شريكة حياته كما يُخيل له ويحلم بها. وبكل تأكيد، صار الزواج تجارياً بمفعول "سمسارة" تُدعى "خطّابة"، فتسوّق للفتاة التي جملتها له بصورة من نسج الخيال. ونتيجة لذلك، يقع البعض في الغش الزوجي. فالخيار موجود إما في التجمل وإكمال المشوار أو الطلاق كحل من الخدعة. فنجاح الزواج حسب ما مالت قلوبهم لبعض وحسب ما نالا في إعجابهما ببعض فيستمر الارتباط للأبد.
إن من يطبق هذه النظرية التقليدية في الزواج أشبه ما يريد فعله هو جر ثور إلى بقرة. وقد يحصل العكس في أن يسلم الأب ابنته من دون رغبتها، ولكن عندما تقرع لحظات الفرح يتم تناسي كل هذا وتحصل اللحظات الحميمة بينهم بعد الزواج. بكل تأكيد تصبح العلاقة محدودة وتربطهم فقط في الفراش. أما في التفكير والتعليم، فنجد عدم تكافؤ ولا توافق. هذا ما يجعلنا أمة دائما تفكر أن الزواج هو علاقة جنسية. وهذا هو المؤسف حقاً. فمن قلة الوعي يولد الجهل، ونعود إلى قتل الحرية. وفي محيط ضيق اختار البعض شريكة حياته لأن النفس تعيش مرة والحب لا يخلق إلا مرة. فالموت للحب إذا لم ينتهي بحلقة الزواج. فهناك ضحايا كثيرون من هذا الزواج تحدثوا لي، وربما صادفتم أنتم مثل هذا الحديث، عن ندمهم لأن حياتهم الزوجية مبنية على مصالح أو مجاملة من حولهم. فحياتهم خلل وروتين. والبعض عقدوا اتفاقية زواج على ورق وكل منهم حر في نفسه خوفاً من أهاليهم في أن يقع الطلاق. فهل هذا نصف الدين يا عرب؟
فيا إخوتي وأخواتي: حياتكم ملك لكم. لا تدعوا أي أحد يقودكم إلى شيء لا ترغبون به ولا تجعلوا منه "زواجا تحت التجربة". فلا الله ولا الرسول أمر بذلك. فالزواج مصير يعتمد على اختياركم أنتم. فتجاهلوا كل فتوى أو نصيحة تنص على أن زواجك باطل عندما تختار. فالزواج يبطل في عدم رغبتكم ببعض أو عندما يشاهدكِ زوجكِ ويشتريكِ بهذا المُقدم فقط كخادمة وللفراش، فهو لم يشترِ قيمك وآفاق تفكيرك وحبه لشخصك فأنتِ إنسانة كما هو إنسان. فالحيوانات لا تصغي للقوانين، وكذلك الزواج بهذه الطريقة لا قوانين فيه وكذلك في كل حياة مبنية على الرغبة. وقبل النهاية، أريد أن أضع لكم النقطة التي أريد أن أصل إليها: لا يمكن التضحية من أجل زواج بمثل هذه الطريقة.
عن الكاتبة: نورة شنار، ناشطة اجتماعية سعودية ومحررة في موقع (أنثى) الإلكتروني. حاصلة على شهادة ماجستير في إدارة الأعمال. تنشر مقالاتها في صحيفة إيلاف الإلكترونية. ظهرت في عدة لقاءات تلفزيونية على قنوات عربية وخليجية مختلفة. صدر لها: كتاب (قهوتي مرة) و(تويتات من قفص المغردين) بجزأين، والذي حمل جزؤه الثاني توقيع الأمير الوليد بن طلال.
لمتابعة نورة على تويتر إضغط هنا.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.