الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

سعاد دويبي، فنانة تشكيلية تصاعد صيتها بالجزائر وشبكات التواصل الاجتماعي مؤخراً بسبب العروض الفنية التي تقوم بها من حين لآخر للفت نظر المجتمع الجزائري للقضايا الهامة التي تمس واقعه.

في آخر عرض لها بعنوان "نقي مخك"، كتبت سعاد العبارة تلك على قصاصات من ورق ووزعتها على المارة والجالسين بالمقاهي وعلى الأرصفة وغيرها من الأماكن العمومية.

تقربنا منها في موقع (إرفع صوتك) لمعرفة المقصود من فكرة الاستعراض الأخير وكيف تحاول معالجة الأفكار المتطرفة في المجتمع الجزائري ومساهمتها في بناء مجتمع منفتح يشجب العنف والإرهاب. وكان لنا معها هذا الحوار:

س: ما المغزى من نشاطك الفني بشوارع الجزائر والذي يحمل عنوان "نقّي مخك"؟

عرضي الأخير "نقي مخك" يحمل الكثير من الحيثيات التي يمكن أن تشوب عقل الإنسان... أعني الأفكار المغلوطة الناتجة عن التراكمات التي تستطيع أن تؤثر على تفكير الإنسان وخياراته ضمن الحراك المجتمعي.

أنا لا أتحدث عن الجزائر بمعزل عن الدول العربية والمسلمة الأخرى لكنني أعني هنا الجزائر على وجه التحديد بما أنني من هذا المجتمع وأتعرض لما تفرزه تلك التراكمات باعتباري امرأة وأعيش في هذا الوسط الذي تتناحر فيه الكثير من الأفكار المغلوطة عن الوطنية والدين والتعدد الثقافي والفكري عن ممارسة السلطة عن العلاقات الاجتماعية بصفة عامة.

س: هل يمكن اعتبار التطرف الفكري من التراكمات السلبية التي تتحدثين عنها؟ وكيف تحاربين أنتِ التطرف باعتبارك فنانة ومن الشباب الفاعل في المجتمع الجزائري؟

أكيد.. إشكالية الفهم الصحيح للإسلام أضحت عالمية، لكنني أركز على الجزائر بحكم معرفتي لهذا المجتمع، نحن نعتبر أنفسنا مسلمين، لكنك إذا غصت في يومياتنا وعلاقاتنا لا تجد إلا القليل من الإسلام الصحيح بل الكثير من تصرفاتنا لا تمت بصلة للإسلام دين التسامح والأخلاق بل لا علاقة لها بالتربية إجمالاً.

"نقي مخك" مبادرة تندرج ضمن المساعي التي تحارب الأفكار المغلوطة والتطرف والعنف بشكل عام. إنها محاولة لإنقاذ الشباب من ماكينة الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية التي تستفيد من العفن الفكري الذي نعاني منه، أو قل إنني أحارب العنف بتطويق العفن الفكري السائد.

س: هل لنا أن نعرف بعض الأفكار التي ترين ضرورة محاربتها ومشاريعك في هذا الصدد؟

بالنسبة للمشاريع، أنا لا أخطط بل أقوم بمعاينة المجتمع ثم أحاول رسم فكرة واضحة عن أنجع طريقة للحديث عن الموضوع حتى ولو كان العرض صامتا كما فعلت مع "امرأة" و "نقي مخك".

نظرة الجزائري للمواطنة من الأفكار التي أريد محاربتها، حيث أن الجزائري مثلاً لا يريد استيعاب فكرة إمكانية أن يكون مواطنه من غير المسلمين. هذا في حد ذاته تطرف بغض النظر عن الأسباب التي أفرزته، نحن نحكم على الإنسان انطلاقا من انتمائه الديني بدل من أن نركز أحكامنا على الفرد نفسه والقيم الإنسانية التي تنبعث من شخصيته. وأنا أعتقد أن هذه التراكمات يتسع انتشارها يوما بعد يوم.

أحارب كل ما أسلفت ذكره بنداءات تغيير الأفكار المسبقة والعنف تجاه من يخالفنا اللون والمعتقد والجنس. أؤكد مثلا أن هناك في الجزائر مواطنين صالحين لكنهم ليسوا بمسلمين، يمكن العيش معهم بسلام لأنهم اليوم لا يعلنون عن حقيقة ديانتهم خوفا من الاعتداء عليهم. أليس هذا دليلا على العنف السائد بيننا والذي يمكن أن يستفيد منه داعش مثلاً؟

س: هل ترين في الشباب الجزائري ذلك المقبل على الحياة أم متشدد ومن اليسر أن تغرر به التنظيمات المتطرفة؟

الجزائري يستطيع أن يكون متطرفا نعم، لأنك لو سألت أيا كان عن وجود غير المسلمين بالجزائر لاعترض على الموضوع أصلا لأنه تربى على عدم قبول الآخر.

أعتقد أنه من الصعب أن تنشر ثقافة الحياة وسط الكثير من الشباب الفاقد للقيم الإنسانية السمحة. هناك من الشباب الجزائريين من يريد فعلا التغيير، تغيير المعتقدات المغلوطة والأفكار المتطرفة وحمل أقرانهم على العيش بسلام ضمن منظور عالمي واسع الأفق، لكنهم لا يجدون من يشجعهم. بالمقابل ترى أن الشباب الحامل لأفكار سوداوية ولا يفقه من الحياة شيئا له مجال واسع للتعبير.

أصدقك القول، أخاف كثيرا على هؤلاء الشباب لأن بمقدورهم ارتكاب جرائم بشعة باسم الدين وهم لا يفقهون فيه شيئاً إلا المرور إلى التنفيذ من دون سابق تمعن وتفكير.

بسبب هذا التراكم لا تجد الدين الإسلامي الصحيح بارزا للنور وذلك لصالح هذا الفهم المغلوط عنه والذي بات يهدد استقرار العالم بأسره وعلاقاتنا مع الآخر.

*الصورة: سعاد دويبي أثناء نشاطها/تنشر بإذن خاص لموقع (إرفع صوتك)

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".