متابعة إرفع صوتك:
يروي صحافي موصلي حكاية امرأة من مدينته في عقدها الثالث، هي أم لأربعة أطفال تعيلهم إلى جانب أبيهم المريض. وعلى الرغم من كونها موظفة في "المفوضية العليا المستلقة للانتخابات" بمدينة الموصل - مركز محافظة نينوى، إلا أنها كانت تعيش وعائلتها حياة شاقة بسبب عجز زوجها عن العمل وصعوبة توفير ثمن العلاج له، كذلك صعوبة توفير مستلزمات العيش ومصاريف الأطفال الدراسية وغيرها.
ويلفت الصحافي الذي طلب عدم الكشف عن هويته، في رسالة بعث بها إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أنه في إحدى الليالي وقبل احتلال داعش للموصل ببضعة شهور، فارق زوج بسمة الحياة بعد صراع طويل مع المرض، لتجد السيدة نفسها وحيدة تعيل أطفالها خصوصاً بعد ان اضطروا لبيع دارهم وإنفاق ثمنه على علاج زوجها. اضطرت بسمة حينها لاستئجار دارٍ قيد الإنشاء في أحد أحياء الموصل بثمن بخس لتحاول الاستمرار بالعيش تحت سقف واحد برفقة أطفالها حتى وإن كان ذلك السقف واهياً.
سقطت الموصل..
وفي يوم، تغيّر بعده مصير أكثر من مليوني إنسان، سقطت مدينة الموصل بيد تنظيم داعش، لتتوالى الأحداث والنكبات على سكان الموصل تباعاً، فبعد أن أغلقت جميع دوائر الدولة وقطعت الحكومة رواتب الموظفين الذين لم يتمكنوا من الهروب إلى خارج المدينة، أصبحت بسمة من دون عمل أو وظيفة وهي تنظر إلى أطفالها الجياع وإلى صاحب الدار الذي يطالبها ببدل الإيجار، لتجبر حينها على العمل كخادمة في بيوت بعض الميسورين سعياً منها لتوفير لقمة العيش ومصاريف الأسرة التي باتت حياتها أشبه بالجحيم.
بعد قرابة الشهرين على احتلال داعش للموصل، انتبه أفراد العائلة لأصوات عجلات وصراخ رجال ظهر لاحقا أنهم كانوا ملثمين ومدججين بالسلاح. ثم قاموا بتمزيق الستارة التي تغطي مدخل المنزل بدلاً من الباب المفترض، ليقوموا بعزل بسمة عن أطفالها الأربعة ويقتادونها مقيدة بعد حديث استمر قرابة 10 دقائق معهم.
بقي الأطفال في دارهم هذا بمفردهم لفترة وجيزة قبل أن تقوم إحدى نساء الحي باصطحابهم إلى منزلها. وجدت بسمة نفسها، بعد أن وصل بها عناصر داعش إلى محكمتهم الشرعية، واقفة أمام قاضٍ رمى عليها بتهم متعددة أبرزها، دعم الحكومة التي يطلق عليها داعش "رافضية"، والعمل على تأسيس وترسيخ نهج تلك الحكومة من خلال مفوضية الانتخابات التي كانت تعمل فيها، والوقوف بالضد من شريعة التنظيم من خلال وظيفتها.
مرّ إسبوع تقريبا على اعتقالها، وذرف أولادها دموعاً لم تتوقف منذ أن اعتقلت أمهم، ثم دخلت الحي عجلتان لداعش ووقفتا بالقرب من منزل بسمة. هنا نظر الأطفال إلى تلك العجلتين مترقبين نزول أمهم ليركضوا نحوها بعد انتظار، إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي أحلامهم، فقد ترّجل عناصر داعش من السيارة ببطء ليفتحوا أحد الأبواب ويحملوا جثماناً مكفّناً ويلقونه على عتبة الدار ويغادروا بعدها مسرعين. تجمّع أهالي الحي حول ذلك الجثمان الذي تبين أنه لبسمة، المرأة التي قتلت برصاصتين في الرأس لتفارق الحياة بتهمة "العمل ضد الدولة الإسلامية".
أتعبها الزمان ومزّق أوصالها داعش
ونصل مع القصة التي يرويها الصحافي الموصلي إلى "محاولة الناس لإسكات صراخ الأطفال واحتضانهم والتخفيف من حزنهم. وما هي إلا أيام قلائل حتى جاء صاحب الدار ويخرج ما تركته بسمة وأطفالها من داره. فيما قام بعض الخيّرين من الأقارب باحتواء الأطفال وتقاسمهم فيما بينهم كي لا يكونوا عبئاً على عائلة دون أخرى. لتنتهي هنا حياة هذه الأسرة التي أتعبها الزمان ومزق أوصالها داعش".
ويقول "حال هذه العائلة ربما لم يكن أسوأ من حال مئات العوائل التي لم يعد لها أساس من الوجود في مدينة يحكمها داعش منذ عامين ونصف تقريباً".
*الصورة: عراقيات في الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659